[النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا]
النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا، والاحتراز من التصنيف فيها، وقد وقع من ذلك شيء كثير لجماعة من الحفاظ وغيرهم ممن ترسم بصناعة الحديث، وليس منهم، وقد صنف العسكري في ذلك مجلدا كبيرا. وأكثر ما يقع ذلك لمن أخذ الصحف، ولم يكن له شيخ حافظ يوقفه على ذلك، وما ينقله كثير من الناس عن عثمان بن أبي شيبة أنه كان يصحف قراءة القرآن، فغريب جدا؛ لأن له كتابا في التفسير، وقد نقل عنه أشياء لا تصدر عن صبيان المكاتب.
وأما ما وقع لبعض المحدثين من ذلك فمنه ما يكاد اللبيب يضحك منه، كما حكي عن بعضهم أنه جمع طرق حديث: ? يا أبا عمير ما فعل النغير ? ثم أملاه في مجلسه على من حضره من الناس، فجعل يقول: يا أبا عمير ما فعل البعير، فافتضح عندهم وأرخوها عنه.
وكذلك اتفق لبعض مدرسي النظامية ببغداد أنه أول يوم إجلاسه أورد حديث: ? صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين ? فقال "كناز في غلس"، فلم يفهم الحاضرون ما يقول، حتى أخبرهم بعضهم بأنه تصحف عليه" كتاب في عليين".
وهذا كثير جدا، وقد أورد ابن الصلاح أشياء كثيرة، وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج المِزّي -تغمده الله برحمته- من أبعد الناس عن هذا المقام، ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن؛ بل لم يكن على وجه الأرض -فيما نعلم- مثله في هذا الشأن أيضا.
وكان إذا تغرَّب عليه أحد برواية شيء مما يذكره بعض الشرَّاح على خلاف المشهور عنده، يقول: هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها
نعم، هذا النوع -الذي هو التصحيف- معناه أن تتصحّف كلمة، أن تتصحف كتابتها أو نطقها على الراوي، إما أن يتغير الضَبْط، أو أن يتغير النَقْط، أو ربما تغيَّر شكل الكلمة كاملا، وله أمثلة كثيرة جدا في السنة النبوية.