الذي يهم الباحث -هو كما قلت:"الملحق بالجرح والتعديل"- الذي يهمُ هو معرفة من سمع منهم قبل الاختلاط، ومن سمع منهم بعد الاختلاط، وهو الذي اهتم به العلماء وتعبوا جدا جدا، يعني إذا قرأت كلامهم على المختلطين ومن سمع منهم، وفي أي مكان اختلط، والضابط التمييز بين سنه الذي اختلط فيه، أوقته الذي اختلط فيه وما قبله -تجد عجبا، أو ترى عجبا من جهد الأئمة -رحمهم الله تعالى- وما بذلوه.
يعني يكفي أن تقرأ ترجمة سعيد بن أبي عروبة؛ لترى الجهد الذي بذلوه في التميز بين رواياته القديمة، ورواياته الجديدة التي وقع فيها، التي حدد فيها وهو مختلط، يعني جهد عظيم جدا، ينبأك عن جلالة هؤلاء الأئمة، ومقدار الجهد الذي بذلوه، وهذا يفيدك في الاطمئنان إلى أحكامهم، وفي بيان ورعهم وإنصاتهم، نعم.
وفي كتب من أحسنها كتاب ابن الكيال، يعرف اسمه بـ"الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات"، وهو ناقص، يعني: ترك أُناسا من المختلطين، ويعني هناك من المختلطين من هو في أصله ضعيف، ثم زاده الاختلاط ضعفا، ومنهم من هو ثقة وتحول إلى ضعيف، وهم كما ذكرت على درجات، ومنهم أيضا من اختلط ولم يُحدث؛ رُزِق بأبناء صالحين وحجبوه.
وفي قصة لأحد الأئمة ذكر: أنه كان قد اختلط، فكان ابنه لا يحدث، أو لا يحدث الأب، أو لا يقرأ عليهم إلا والابن حاضر؛ من أجل أن لا يروى شيئا ليس من حديثه، المهم طرق عليه بعض المحدثين الباب، ففتحت البنت، فأرادوا أن يسمعوا منه، فكان من فقهها تعجب منها وأبو حاتم وأبو زرعة، تعجب من فقه هذه البنت، أبت عليهم أن يسمعوا من أبيها إلا وأخوها حاضر، وقالت لهم:"انتظروا حتى يعود". فكان يثني عليها وعلى فقهها بهذا الجهة.
فالمهم أن الرواة المختلطين أصناف، ويعني هذا فن واسع، يعني من الفنون التي ... أو من الجوانب التي اعتنى بها الأئمة -رحمهم الله تعالى- بالنسبة للرواة. نعم، اقرأ الذي بعده.