للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستناداً إلى ذلك فإن آيات سورة القصص تعبر كلماتها تمام التعبير عن مقتضيات واقع الحال المراد إبانته لمن أنزلت السورة في زمنهم وبين أيديهم من أهل مكة.

فنحن نسأل استناداً إلى ذلك لماذا جاء النصّ القرآني في قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} ((١)) ولم يستخدم كلمة أخرى في صفة الكتاب مثل (الحكيم) ، (العزيز) ، (المجيد) ؟

والذي نراه أن المبين هاهنا أنسب، لأن الإبانة متناسبة مع صفة الكتاب كونها الإبانة بليغة الدلالة على الظهور والنصاعة في تلك الفترة، أما لو قيل:

(الكتاب الحكيم) فمن أين لهم ان يعرفوا حكمته. أو العزيز فمن أين لهم أن يعرفوا عزه ولأنكروا ذلك رأسا، فقيل لهم: (الكتاب المبين) وهم لفصاحتهم لا يستطيعون إنكار إبانته ((٢)) .

فالله جل وعلا وصف كلامه بصفة يعرفها أهل مكة أكثر من سواهم لاشتهارهم بهذا فكأن القرآن أراد أن يتحدا بيانه.

ونحن نجد أن الصيغة القرآنية: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ} ((٣)) تحتمل سؤالاً هو: لِمَ لَمْ يقل تعالى: (طغى) ، أو (بغى) ، أو (استكبر) ؟

والذي نراه في ذلك أن دلالة (علا) من العلو الزماني والمكاني أبلغ من تلك الصيغ الأخرى، ومن كلّ صيغة، لأنه لو كانت العبارة (إن فرعون طغى) لكان ذلك دليلاً على الطغيان فقط، والطغيان (لا يعم، بل هو خاص بفرعون ولا يشمل جنوده ولا هامان) .

ولو قيل: (إن فرعون تكبر) لكان التكبر خاصاً به وبقومه لأن الإنسان لا يتكبر إلا على من هم من حوله يرونه ويراهم.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٢.
(٢) ينظر الكشاف: ٣ / ١٦٤. جامع البيان: ٦ /٤٩٦٣. البحر المحيط: ٧ /١٠٤.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>