للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ} ((١)) . فإن سؤالاً قد يتبادر هنا عن دلالة

(عميت) دون سواها من الصيغ، لأن إسناد المعنى لتاء الضمير الخاص بالمذكورين آنفاً يَدُلُّ على حقيقة العمى عن رد السؤال، ولو جاءت الصيغة بلفظ

(فذهبت عنهم الأنباء) لم يكن ذلك دالاً على أي شيء، فذهاب الأنباء عن قوم يحتمل ردهم لجوابهما، ولو قيل: (فغادرت عنهم الأنباء) لكان كذلك، والمعنى أن حال الكفار والمشركين الظالمين يوم القيامة عند سؤالهم سؤال توبيخ، هو العمى الكامل حتَّى عمى الإجابة، ويفسر هذا المعنى الَقُرْآن الكَرِيم في آية أخرى هي قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} ((٢)) وهذا هو المعنى بعينه في الوصف الَقُرْآني، فدل ذلك على أن المعنى هو هو في الحالتين يوم القيامة، ولكن الأسلوب الَقُرْآني هو إعادة المعنى بأكثر من صيغة أسلوبية لإبراز أوجه الإعجاز في الَقُرْآن الكَرِيم، وقد أشار الطبري إلى غياب الحجة عنهم عند السؤال يوم القيامة فقال: " وإنما عني بذلك أنهم عميت عليهم الحجة، فلم يدروا ما يحتجون لأن الله تعَاَلىَ قد كان ابلغ إليهم في المعذرة " ((٣)) . وهذا يوافق ما ذهبنا إليه.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٦٥ – ٦٦.
(٢) سُوْرَة الإِسْرَاءِ: الآية ٧٢.
(٣) جامع البيان: ١٠ /٩٤. معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>