للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} ((١)) تسائل عن ماهية دلالة (بطرت) بدل كلّ الصيغ الأخرى التي ترادفها، مثل (كفرت) ، أو

(بغت في) ، أو (عتت) ، أو (طغت في نعمتها) ؟ والجواب عن ذلك والله أعلم: إن صيغة (كفرت معيشتها) لا تحمل دلالة البطر لأن الفرق بين الكفر ـ وهو إخفاء الشيء ـ والبطر ـ وهو التكبر على الشيء ـ واضح بين، ولو جاءت الصيغة (بغت في معيشتها) لم تدلّ على البطر. ولو قيل: (عتت في معيشتها) لم تكن الصيغة دالة على معنى البطر مع دلالة انتصاب الفعل، لذلك كانت صيغة (بطرت) أوضح كلّ الوضوح من أية صيغة أخرى ((٢)) .

أما قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} ((٣)) فإن سؤالاً قد يثار في معنى كلمة (سرمداً) المنصوبة مفعولاً به، هو: لماذا جاءت هذه الصيغة هاهنا بهذا اللفظ دون سواه؟

والذي أراه والله أعلم أن دلالة السرمد بمعنى (الدائم) أبلغ من أية دلالة أخرى، فالسرمد هو الدائم غير المنقطع، ولو استخدمت أية صيغة أخرى لم تدلّ على ما دلت عليه هذه الصيغة في مبناها ومعناها. فلو قيل بدلها: (دائماً) فإن الدوام هو البقاء، ولكنه لا يعطي المعنى الذي يعطيه معنى كلمة (سرمد) الذي يفيد الاستمرارية.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٥٨.
(٢) ينظر مفاتيح الغيب: ١٣/ ٦.الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: ٦ /٥٠١٧.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>