للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: إنه أربعون سنة، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد.

والثاني: ستون سنة، ذكره ابن جرير ((١)) .

والذي أراه أنه (أربعون سنة) بقرائن الآيات الأخرى، وهي من إرسال المرسلين ـ عَلَيْهم الصَلاة والسَّلام ـ.

وقد ذكر الرازي اختلافاً آخر في قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} ، فذكر فيها قولين:

أحدهما: إنهما بمعنى واحد وهو استكمال القوة واعتدال المزاج والبنية.

الثاني: وهو الأصح إنما معنيان متغايران.

ثم اختلوا على وجوه:

الأشد عبارة عن كمال القوة الجسمانية البدنية، والاستواء عبارة عن كمال القوة العقلية.

الأشد عبارة عن كمال القوة، والاستواء عبارة عن كمال البنية والخلقة.

قال ابن عباس: الأشد ما بين الثمانية عشر سنة إلى الثلاثين، ثم من الثلاثين سنة إلى الأربعين يبقى سواء من غير زيادة ولا نقصان، ومن الأربعين يأخذ في النقصان ((٢)) .

والذي يحسم الخلاف في ذلك كله هو قوله الآلوسي ـ رَحِمَه الله ـ والذي أرى أنه الراجح، " بأن البلوغ الأشد عبارة عن بلوغ القدر الذي يتقوى فيه بدنه وقوه الجسمانية، وينتهي فيه نموه المعتد به. والاستواء اعتدال عقله وكماله، ولا ينبغي تعين وقت لذلك في حق موسى (- عليه السلام -) إلا بخبر يعول عليه، ولأن الوقت يختلف باختلاف الأقاليم والأعصار والأحوال " ((٣)) .

ومن المشهور أن الله لم يبعث نبياً قبل الأربعين، والسر في ذلك لأن قوى الإنسان الجسمانية من الشهوة والغضب والحس قبل الأربعين قوية مستكملة، فيكون الإنسان منجذباً إليها، فإذا انتهى إلى الأربعين أخذت القوى الجسمانية في الانتقاص، والقوة العقلية في الازدياد فهناك يكون الرجل أكمل ما يكون ((٤)) .


(١) زَاد المَسِيْر: ٦ /٢٠٧.
(٢) مفاتيح الغيب: ١٢/ ٢٣٢.
(٣) روح المعاني: ٢٠ /٥١.
(٤) ينظر مفاتيح الغيب: ١٢ /٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>