للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عطية: " فأصبح عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيداً عالماً. ويترقب معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس. قال ابن عباس: فمرّ وهو بحالة الترقب، وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قتل القبطي بالأمس يقاتل أخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم، فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثاً، فلما رأى موسى قتاله لأخر أعظم ذلك وقال له معاتباً ومؤنباً: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} ، وكانت إرادة مع موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي، فما دنا منهما خشى الإسرائيلي وفزع منه، وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس، فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول " ((١)) .

{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ}

" وظاهر قوله: {عَدُوٌّ لَهُمَا} أنه قبطي، وربما جعل عدّواً لهما لأن عداوته للإسرائيلي معروفة فاشية بين القبط، وأما عداوته لموسى فلأنه أراد أن يظلم رجلاً، والظلم عدّو لنفس موسى، لأنه نشأ على زكاء نفسي هيأها الله للرسالة " ((٢)) .

واختلف العلماء فيمن قال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ} هل هو الإسرائيلي أم القبطي؟

الرأي الأول ـ قال قسم من العلماء: هذا القول للإسرائيلي لما خاطبه سيدنا موسى

(- عليه السلام -) : {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} ، ورآه غضبان وقد همُ موسى أن يبطش بالفرعوني، فظن أنه يريده، فخاف على نفسه، فقال {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ} الآية.


(١) المحرر الوجيز: ١٢ /١٥٨.
(٢) التحرير والتنوير: ٢٠ /٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>