للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}

أجاب الله جل وعلا عن شبهتهم التي قالوا فيها تركنا الدين لئلا تفوتنا الدنيا، فبين الله تعالى خطأهم في ذلك، لأن ما عند الله خير وأبقى وذلك لوجهين كما ذكر الرازي:

أحدهما ـ إن المنافع هناك أعظم.

وثانيها ـ إنها خالصة عن الشوائب، ومنافع الدنيا مشوبة بالمضار بل الضار فيها أكثر.

وأما أنها أبقى فلأنها دائمة غير منقطعة ومنافع الدنيا منقطعة، ومتى قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدماً، فكيف ونصيب كل أحد بالقياس إلى منافع الدنيا كلها كالذرة بالقياس إلى البحر، فكان من الجهل العظيم ترك منافع الآخرة لاستيفاء منافع الدنيا، ونبه عن ذلك بقوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يعني: من لا يرجح منافع الآخرة على منافع الدنيا كأنه يكون خارجاً عن حد العقل ((١)) .

{أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ}

قال المراغي في تفسير هذه الآية "أي: أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا بالجنة وجزيل نعيمها مما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر فآمن بما وعدناه وأطاعنا، فاستحق أن نجزله وعدنا فهو لاقيه حتماً وصائر إليه، كمن متعناه الحياة الدنيا ونسي العمل بما واعدنا به أهل الطاعة، وآثر لذة عاجلة على لذة آجلة لا تنفذ، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله من المحضرين لعذابه واليم عقابه " ((٢)) .

وأرى أن المقصود بذاك الوعد بمغفرة الله تعالى ورضوانه بإقراره في دار القرار والمستقر الجنة يوم القيامة، وهو ما يوضحه المعنى العام للآيات.

ما يستفاد من النصّ


(١) ينظر مفاتيح الغيب: ١٣ /٧.
(٢) تفسير المراغي: ٢٠ /٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>