الْأَشْبَاهِ كُلُّ كَافِرٍ تَابَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا الْكَافِرَ بِسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالسِّحْرِ وَلَوْ امْرَأَةً وَبِالزَّنْدَقَةِ إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ اهـ فَيَجِبُ قَتْلُ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارِ الْكُفَّارِ تَابُوا أَوْ لَمْ يَتُوبُوا لِأَنَّهُمْ إنْ تَابُوا وَأَسْلَمُوا قُتِلُوا حَدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ بَقُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ قُتِلُوا كُفْرًا وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ أَحْكَامُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمْ عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَقَّتٍ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَبَّدٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ جَائِزٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ خَرَجَ عَنْ وِلَايَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْحَرْبِ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ ذَرَارِيِّهِمْ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهِمْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الِاسْتِرْقَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. كَتَبَهُ أَحْقَرُ الْوَرَى نُوحٌ الْحَنَفِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ اهـ مَا فِي الْمَجْمُوعَة الْمَذْكُورَةِ بِحُرُوفِهِ.
(أَقُولُ) وَقَدْ أَكْثَرَ مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ مِنْ عُلَمَاءِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ لَا زَالَتْ مُؤَيَّدَةً بِالنُّصْرَةِ الْعَلِيَّةِ فِي الْإِفْتَاءِ فِي شَأْنِ الشِّيعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَأَلَّفُوا فِيهِ الرَّسَائِلَ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِمْ الْمُحَقِّقُ الْمُفَسِّرُ أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَوَاكِبِيُّ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَنْظُومَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ الْفَرَائِدُ السَّنِيَّةُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي السُّعُودِ بَعْدَ ذِكْرِ قَبَائِحِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ فَلِذَا أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَعْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِمْ وَأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ كَانَ كَافِرًا فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ إذَا تَابُوا وَرَجَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ نَجَوْا مِنْ الْقَتْلِ وَيُرْجَى لَهُمْ الْعَفْوُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ إذَا تَابُوا وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْعِظَامِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمْ وَيَقْتُلُونَ حَدًّا إلَخْ فَقَدْ جَزَمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ عِنْدَ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ يَنْبَغِي تَحْرِيرُهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهَا فَقَدْ وَقَعَ فِيهَا خَبْطٌ عَظِيمٌ وَكَانَ يَخْطِرُ لِي أَنْ أَجْمَعَ فِيهَا رِسَالَةً أَذْكُرُ فِيهَا مَا حَرَّرْته فِي حَاشِيَتِي عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ أَذْكُرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا يُوَضِّحُ الْمَرَامَ إسْعَافًا لِأَهْلِ الْإِسْلَام مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَإِنْ اسْتَدْعَى بَعْضَ طُولٍ فِي الْكَلَامِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ سَابَّ الشَّيْخَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قَدْ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْجَوْهَرَةِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَقَدْ قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوْهَرَةِ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِي هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ فَأُلْحِقَ بِالْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ اهـ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ النَّهْرِ.
(أَقُولُ) د عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَوْهَرَةِ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى بَلْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيمَا أَعْلَمُ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ سَابِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ مَنْ ذَكَرَهَا عِنْدَنَا صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْكَمَالِ الْهُمَامُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَكَذَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةُ.
لَكِنَّ الْعَلَّامَةَ التُّمُرْتَاشِيَّ بَعْدَمَا عَزَا مَا فِي مَتْنِهِ إلَى الْبَزَّازِيِّ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى مِنَحِ الْغَفَّارِ لَكِنْ سَمِعْت مِنْ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ الْبَزَّازِيَّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْبَزَّازِيَّ تَبِعَ صَاحِبَ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ فَإِنَّهُ عَزَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا نَقَلَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَا صُورَتُهُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute