إنَّ الْمَفَاهِيمَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهَا فِي النُّصُوصِ لَا فِي كَلَامِ النَّاسِ كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ وَهُوَ نَفْسُهُ قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَوْلُهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَيُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الذُّكُورِ مَثَلًا أَنْ يُلْغِيَ مَفْهُومَ تَقَيُّدِهِ بِالذُّكُورِ وَيَحْكُمَ بِمُشَارَكَةِ الْإِنَاثِ مَعَهُمْ لِدُخُولِهِنَّ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ وَكَذَا يَلْزَمُ أَنْ يُلْغِيَ تَقْيِيدَهُ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْعَقِيمِ إلَى أَهْلِ دَرَجَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْذُورَاتِ الَّتِي لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَوْلُهُ إذْ مَفْهُومُهُ إلَخْ نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَهُنَا لَمَّا شَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى أَهْلِ دَرَجَتِهِ عُلِمَ أَنَّ غَرَضَهُ انْتِقَالُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ وَلَدٍ إلَى وَلَدِهِ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِأَغْرَاضِ الْوَاقِفِينَ وَلِذَا تَرَى عَامَّتَهُمْ يُصَرِّحُ بِهِ فَيُحْمَلُ الْمَفْهُومُ عَلَيْهِ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ احْتِمَالًا بَعِيدًا لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى أَقْرَبِ الْمُحْتَمَلَاتِ أَوْلَى فَعُلِمَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْإِسْعَافِ الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ وَالشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَالشِّهَابُ أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ هُوَ الْأَظْهَرُ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى التُّمُرْتَاشِيُّ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ وَقَدْ رَأَيْت تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ سَمَّاهُ بِسَوَابِغِ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ أَفْتَى فِيهِ بِمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَقَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي بَحْرِهِ وَوَالِدُهُ وَأَقَرَّهُمَا الْأَذْرَعِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ السُّبْكِيّ وَالْوَلِيُّ أَبُو زَرْعَةَ وَالْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرَدَّ عَلَى شَيْخِهِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَأَطَابَ فَرَاجِعْهُ.
فَاتِّفَاقُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مُؤَيِّدٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ نَعَمْ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْإِمَامِ الْخَصَّافِ فِي بَابِ الرَّجُلُ يَجْعَلُ أَرْضَهُ وَقْفًا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مَسْأَلَةٌ تُؤَيِّدُ مَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَهِيَ إذَا وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا كَانَ نَصِيبُهُ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ وَلَدًا يَرْجِعُ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ وَلَدًا وَلَا لِوَلَدِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ اهـ مُلَخَّصًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ قَوْلِ الْوَاقِفِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا إلَخْ إذْ لَوْ اعْتَبَرَهُ لَأَعْطَى نَصِيبَ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْأَوْلَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَصْلًا لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْمَذْكُورَيْنِ يَسْتَحِقُّهُ الْمَسَاكِينُ فَلِذَا أَلْغَى الْمَفْهُومَ إذْ يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهِ إلْغَاءُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِدْخَالُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي الْوَقْفِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْأَوْلَادَ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ كَلَامِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَيْنِ بَلْ فِي اعْتِبَارِهِ إعْمَالُ غَرَضِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
وَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ لَمْ يُقَيَّدْ بِقَوْلِهِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بَلْ كَانَ يَقُولُ مَنْ مَاتَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي السَّقِيمِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي النَّسْلِ وَالْعَقِبِ وَكَذَا هَلْ يَدْخُلُونَ فِي نَحْوِ الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ وَقَدْ كُنْت عَزَمْت عَلَى أَنْ أَضَعَ فِيهَا رِسَالَةً لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ فَاسْتَغْنَيْت عَنْ ذَلِكَ بِمَا أُحَرِّرُهُ هُنَا فَأَقُولُ قَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا أَطَالَ فِي النُّقُولِ مَا حَاصِلُهُ إنَّ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْخَصَّافِ وَهِلَالٍ يَدْخُلُونَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَدْخُلُونَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا فِي دُخُولِهِمْ فِي لَفْظِ الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَفِي التَّجْرِيدِ لِلْكَرْمَانِيِّ وَكَذَا لَفْظُ الْآلِ وَالْجِنْسِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ الْحُكْمُ فِيهِمْ وَاحِدٌ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ قَالَ وَنَظَمْت ذَلِكَ فِي بَيْتَيْنِ وَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute