للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِحْقَاقٍ مَعْلُومٍ فِي وَقْفِ جَدِّهِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ فِي صِحَّتِهِ بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَزْبُورَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ جَدِّهِ لِعَمْرٍو فِي مُدَّةِ سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ دُونَهُ بِأَمْرٍ حَقٍّ عَرَفَهُ وَلَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لَهُ بِذَلِكَ وَتَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ تَصَادُقًا شَرْعِيًّا مَقْبُولًا مِنْهُمَا لَدَى بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ زَيْدٌ الْمَزْبُورُ أَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ الْمَرْقُومِ لِبَكْرٍ فِي الْمُدَّةِ الْمَرْقُومَةِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ عَمْرٌو الْمُقَرُّ لَهُ الْأَوَّلُ وَلَا أَجَازَهُ فَهَلْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ مُعْتَبَرًا دُونَ الثَّانِي؟

(الْجَوَابُ) : نَعَمْ وَلَوْ قَالَ صَارَتْ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لِفُلَانٍ هَذَا بِأَمْرِ حَقٍّ عَرَفْتُهُ وَلَزَمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ قَالَ أَلْزَمْتُهُ بِذَلِكَ وَجَعَلْتُهُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، قُلْت وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُقِرُّ صَارَتْ غَلَّةُ هَذَا الْوَقْفِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَذَا عَشْرَ سِنِينَ أَوَّلُهَا غُرَّةُ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَآخِرُهَا سَلْخُ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا دُونِي بِأَمْرِ حَقٍّ عَرَفْتُهُ وَلَزِمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ، قَالَ أُلْزِمُهُ ذَلِكَ وَأَجْعَلُ الْغَلَّةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ حَيًّا هَذِهِ الْعَشْرَ سِنِينَ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ ذَلِكَ رَدَدْتُ الْغَلَّةَ إلَى مَنْ جَعَلَهَا لَهُ الْوَاقِفُ بَعْدَ الْمُقِرِّ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ الْمُقِرُّ وَلَكِنْ السُّنُونَ الْعَشْرُ انْقَضَتْ قَالَ تَرْجِعُ الْغَلَّةُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَبَدًا مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ رَدَدْتُهَا إلَى مَنْ جَعَلَهَا الْوَاقِفُ لَهُ خَصَّافٌ مِنْ الرَّجُلِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يُقِرُّ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرَ.

(أَقُولُ) قَوْلُهُ تَرْجِعُ الْغَلَّةُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْزِيًّا لِلْخَصَّافِ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَتَيْ كِتَابِ أَوْقَافِ الْخَصَّافِ ثُمَّ رَاجَعْت نُسْخَةً أُخْرَى فَرَأَيْتُهُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُدَّةِ لَغْوٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ خِلَافُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَصْلَ تَرْجِعُ الْغَلَّةُ إلَى الْمُقِرِّ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ بِدُونِ لَفْظَةِ لَهُ وَأَنَّ لَفْظَةَ لَهُ مِنْ زِيَادَةِ النُّسَّاخِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَرْجِعُ وَإِلَّا لَقَالَ تَبْقَى؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ فِي الْمُدَّةِ كَانَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ عَنْ الْمُقِرِّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَتَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُقَيَّدٌ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُقِرِّ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى الشَّخْصِ الْآخَرِ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ هَذَا الْمُقِرُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قُرِئَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ نَائِبَ فَاعِلٍ لَا يَصِحُّ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ)

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ بَعْدَ عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ الْمَارَّةِ اغْتَرَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَأَفْتَوْا بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَالْحَقُّ الصَّوَابُ أَنَّ السُّقُوطَ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا الْفَقِيهُ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَبِيرُ الْخَصَّافُ أَقَرَّ فَقَالَ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَذَا دُونِي وَدُونَ النَّاسِ جَمِيعًا بِأَمْرٍ حَقٍّ وَاجِبٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ عَرَفْتُهُ لَهُ وَلَزِمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ نَعَمْ أُصَدِّقُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأُلْزِمُ مَا أَقَرَّ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ مَا دَامَ حَيًّا لِجَوَازِ أَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ وَيُخْرِجَ وَيُدْخِلَ مَكَانَ مَنْ رَأَى فَيُصَدَّقُ عَلَى حَقِّهِ اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَسْتَبِدَّ بِالْوَقْفِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ خَالٍ عَمَّا يُوجِبُ تَصْحِيحَهُ مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اهـ كَلَامُ الْبِيرِيِّ مُلَخَّصًا وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ أَسْقَطَهُ لَا لِأَحَدٍ لَمْ يَصِحَّ وَفِي إقْرَارِ الْإِسْمَاعِيلِيَّة فِي امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ بِأَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ رَيْعَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ وَقْفِ كَذَا فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِمُقْتَضَى أَنَّهَا قَبَضَتْ مِنْهُ مَبْلَغًا مَعْلُومًا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الِاسْتِحْقَاقِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِالْمَبْلَغِ الْمُعَيَّنِ.

وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِمْ لَوْ أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرَّيْعَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ يَصِحُّ وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ يَقْضِي بِبُطْلَانِهِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِعِوَضٍ مُعَاوَضَةٌ قَالَ الْمُؤَلِّفُ مَسْأَلَةٌ فِي وَقْفٍ ادَّعَى رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ وَقْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>