بَعْدَ مَوْتِ الْمُخْتَارِ وَلَا يَخْرُجُ النَّظَرُ عَنْهَا وَإِنْ أَثْبَتَ الْغَيْرُ الْأَرْشَدِيَّةَ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ قَالَ فِي الْبَحْرِ إذَا مَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ الْوَاقِفِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ غَيْرَهُ وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَوَفَّى أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى لَا يُنَصِّبُ الْقَاضِي غَيْرَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ سُئِلْت عَنْ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ بِالشَّرْطِ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ إذَا فَوَّضَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إذَا فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ بِمَوْتِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّفْوِيضِ وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يَنْتَقِلُ مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ بَاقِيًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْبِيرِيِّ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ الْعَدْلِ الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَدْلِ الرَّشِيدِ وَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْوَجِيزِ وَإِنْ مَاتَ الْقَيِّمُ وَقَدْ أَوْصَى إلَى أَحَدٍ فَوَصِيُّ الْقَيِّمِ بِمَنْزِلَةِ الْقَيِّمِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ اهـ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَإِنْ مَاتَ الْقَيِّمُ بَعْدَمَا مَاتَ الْوَاقِفُ فَإِنْ كَانَ الْقَيِّمُ قَدْ أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَوَصِيُّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَوِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ لِلْقَاضِي اهـ وَفِيهَا، الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ اهـ.
وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ
لَوْ فَوَّضَ النَّاظِرُ لِلْغَيْرِ النَّظَرْ ... يَصِحُّ مُطْلَقًا إذَا كَانَ اسْتَقَرَّ
تَفْوِيضُهُ لَهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ ... وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالِفِ
أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ فَإِنْ فِي صِحَّتِهْ ... فَوَّضَهُ ذَاكَ وَفِي سَلَامَتِهْ
مَا صَحَّ ذَا وَإِنْ يَكُنْ قَدْ فَوَّضَا ... فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحًا قَدْ مَضَى
فَالْفِعْلُ فِي الصِّحَّةِ صَاحِ أَسْنَى ... لَكِنَّهُ فِي هَذِهِ يُسْتَثْنَى
اهـ وَمِثْلُهُ فِي صُرَّةِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَقَدْ أَفْتَى بِصِحَّةِ التَّفْوِيضِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَإِنْ أَثْبَتَ الْغَيْرُ الْأَرْشَدِيَّةَ كُلٌّ مِنْ الْمَرْحُومَيْنِ الْوَالِدِ وَالْعَمِّ وَالْجَدِّ الْمُحَقِّقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُفْتِينَ رَوَّحَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَلِيمُ.
(أَقُولُ) إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ ثُمَّ فَوَّضَ الْأَرْشَدُ لِغَيْرِ الْأَرْشَدِ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ الَّذِي قَالُوا فِيهِ إنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَكَيْفَ تَصِحُّ مُخَالَفَتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إذَا فَوَّضَ لِطِفْلِهِ الصَّغِيرِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا مَعَ وُجُودِ الْأَرْشَدِ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ عَلِمْت قَبْلَ وَرَقَةِ الْكَلَامِ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الصَّغِيرِ وَلَوْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَكَيْفَ هُنَا وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ سِوَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ تَصْرِيحٌ بِمَا ادَّعَاهُ إذْ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ وَلَا أَنَّ الْمُفَوِّضَ فَوَّضَ لِغَيْرِ الْأَرْشَدِ وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ.
وَلَكِنَّهُ قَدْ اعْتَرَضَهُ مُحَشِّيهِ الْحَمَوِيُّ فَقَالَ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْتَقِلَ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ الْآخَرُ لِآخَرَ وَهَكَذَا يَفُوتُ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ أَصْلًا اهـ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ فِيمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَفَرَغَ الْأَرْشَدُ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَمَاتَ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ مُلَخَّصًا وَكَذَا مَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْحَائِكِ إذَا شَرَطَ الْأَرْشَدِيَّةَ فَفَوَّضَ الْأَرْشَدُ فِي الْمَرَضِ لِغَيْرِ الْأَرْشَدِ وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ يُوَلِّي الْقَاضِي الْأَرْشَدَ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ الْمُخَالِفَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا يَصِحُّ اهـ وَرَأَيْت فِي مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةِ الْفَقِيهِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْغَزِّيِّ السَّائِحَانِيِّ بِخَطِّهِ نَقَلَ أَوَّلًا مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَقَالَ إنَّهُ دَرَجَ عَلَيْهِ إفْتَاءُ الشَّامِ ثُمَّ رَدَّهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَعَنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة