للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ وَيُؤَخِّرُ الْمَرَمَّةَ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِ الْمَرَمَّةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى الْمَرَمَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَصْرِفُ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ إلْزَامِ الْمُتَوَلِّي الْمَعْزُولِ بِمَا دَفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَالْحَالُ هَذِهِ وَمَعَهُ وَقَعَتْ الِاسْتِرَاحَةُ مِنْ بَحْثِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَتْ الْمُنَاظَرَةُ بَيْنَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ التَّصْنِيفِ فِي ذَلِكَ فَمِنْ قَائِلٍ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَمِنْ قَائِلٍ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ مَا دَامَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لَا هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ قَائِمًا وَيَضْمَنُ بَدَلَهُ مُسْتَهْلَكًا؛ لِأَنَّهُ مَا دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَهَذَا أَصَحُّ الْوُجُوهِ فَفِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ مَنْ دَفَعَ شَيْئًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إلَّا إذَا دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَاسْتَهْلَكَهُ الْقَابِضُ اهـ.

وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَبَانَ خِلَافُهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَلَوْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ رَجَعَ بِبَدَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ قُلْت وَقَدْ أَلَّفْت فِي ذَلِكَ رِسَالَةً بِطَلَبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْمَمَالِكِ الْعُثْمَانِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي سَلَّمَهُ السَّلَامُ سَمَّيْتهَا اخْتِلَافَ آرَاءِ الْمُحَقِّقِينَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهَا مُفِيدَةٌ اهـ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ

(أَقُولُ) وَفِي عِبَارَةِ الْخَيْرِيَّةِ إجْمَالٌ فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُنَاظَرَةُ مَا إذَا دَفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مَعَ وُجُودِ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ وَصَارَ ضَامِنًا فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ وَقَالَ فِي النَّهْرِ يَرْجِعُ لَوْ قَائِمًا لَا هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ أَيْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ تَبَرُّعًا فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً لَا تَسْتَحِقُّهَا لِنُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي حَقَّقَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَأَخَّرَ الْعِمَارَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ غَيْرَ ضَرُورِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً يَضْمَنُ مَا دَفَعَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ الْأَخِيرُ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مَعَ وُجُودِ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِذَا رَجَّحَهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْحَوَاشِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(سُئِلَ) فِي مُتَوَلِّي وَقْفٍ عَمَّرَ فِيهِ ثُمَّ أَعْطَى الْمُسْتَحِقِّينَ نَصِيبَهُمْ وَلَمْ يَقْتَطِعْ عِمَارَتَهُ فَهَلْ يَضْمَنُ مَا صَرَفَهُ مِنْ الْغَلَّةِ لِغَيْرِ الْعِمَارَةِ لِكَوْنِ الدَّيْنِ مُقَدَّمًا عَلَى نَصِيبِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَمْ لَا؟

(الْجَوَابُ) : يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي مَا صَرَفَهُ مِنْ الْغَلَّةِ لِغَيْرِ الدَّيْنِ الْمَصْرُوفِ فِي الْعِمَارَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَتَبَهُ الْفَقِيرُ أَحْمَدُ الْمُفْتِي بِدِمَشْقِ الشَّامِ عُفِيَ عَنْهُ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ زَمَنَ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْعِمَارَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْوَقْفِ قَوْلُهُ أَعْطَى الْمُسْتَحِقِّينَ نَصِيبَهُمْ أَيْ سِهَامَهُمْ مِمَّا لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ وَهُوَ الْغَلَّةُ الْحَاصِلَةُ زَمَنَ الْعِمَارَةِ أَوْ زَمَنَ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ زَمَنَ الِاحْتِيَاجِ إلَى التَّعْمِيرِ فَإِعْطَاؤُهُمْ مَا هُوَ لِغَيْرِهِمْ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِمَّا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ مُسْتَفَادٌ مِنْ وُجُوبِ الصَّرْفِ إلَى مَا فِيهِ بَقَاءُ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِيَكُونَ مُؤَبَّدًا وَصَدَقَةً مُخَلَّدَةً وَبِدُونِ الصَّرْفِ لِعِمَارَتِهِ يَفُوتُ ذَلِكَ بِخَرَابِهِ، فَإِذَا لَمْ يَخَفْ هَلَاكَهُ خَوْفًا بَيِّنًا سَاغَ الصَّرْفُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ قَطْعًا مِنْ تَحْرِيرَاتِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ السُّؤَالَاتِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(أَقُولُ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَرْصَدِ فَآجَرَهُ النَّاظِرُ عَقَارَ الْوَقْفِ بِأُجْرَةٍ أَذِنَ لَهُ بِاقْتِطَاعِ بَعْضِهَا الْمَعْلُومِ مِنْ مَرْصَدِهِ وَصَارَ يَأْخُذُ مِنْهُ بَاقِيَ الْأُجْرَةِ وَيَدْفَعُهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ لِدَفْعِهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>