للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِي فِي هَذَا الْعَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَانْظُرْ إلَى هَذِهِ النُّقُولِ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ خُصُوصًا مَا نَقَلَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَنْ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ وَقَدْ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى تِلْكَ النُّقُولِ الْمُعْتَبَرَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ لَوْ مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ وَقَسَّمُوا التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ وَأَبْرَأَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ إرْثًا عَنْ الْمَيِّتِ تَصِحُّ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الدَّعَاوَى ثُمَّ ادَّعَى مَالًا بِالْإِرْثِ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ صَحَّ وَتَبْطُلُ الدَّعْوَى فَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَوْ ادَّعَى إرْثًا حَيْثُ عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ.

نَعَمْ يَخْرُجُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ بِقَوْلِنَا أَوَّلًا إذَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَكَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ حَقًّا مُطْلَقًا إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا بِقَوْلِهِمْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا دَفَعَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ وَأَشْهَدَ الْوَلَدُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ تَرِكَةَ وَالِدِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى فِي يَدِ الْوَصِيِّ شَيْئًا وَقَالَ هَذَا مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِي وَأَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِقْرَارُ عَلَى الْعُمُومِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا عَمَّمَ فِي تَرِكَةِ وَالِدِهِ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا أَيْ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِالْعُمُومِ مُطْلَقًا وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَشْهَدَ الْيَتِيمَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ الْوَصِيِّ تَرِكَةَ وَالِدِهِ إلَخْ وَلَمْ يُعَمِّمْ بَلْ خَصَّصَ فِي تَرِكَةِ وَالِدِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَقَدْ جَعَلَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِابْنِ نُجَيْمٍ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ حَيْثُ قَالَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ إلَّا ضَمَانَ الدَّرْكِ.

ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا إذَا أَبْرَأَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّ إبْرَاءً عَامًّا وَقَدْ أَوْسَعَ فِي ذَلِكَ وَعَلَى مَا قَرَّرْنَا الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ بِأَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ مُطْلَقًا لَا مِنْ جِهَةِ التَّرِكَةِ وَلَا غَيْرِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى جَعْلِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَوْ كَانَتْ بِالْإِرْثِ حَيْثُ عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ إلَّا أَنْ تُخَصَّ الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ بِمَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ دُونَ الْوَارِثِ تَأَمَّلْ (قُلْت) وَذَلِكَ كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْبَرَاءَةُ وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ دَعْوَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُعَمِّمْ بِأَنْ يَقُولَ أَيَّةَ دَعْوَى كَانَتْ أَوْ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ وَفِي الْمُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَعَاوَى مُعَيَّنَةً ثُمَّ صَالَحَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا آخَرَ تُسْمَعُ وَحَمَلَ إقْرَارَهُ عَلَى الدَّعْوَى الْأُولَى إلَّا إذَا عَمَّمَ وَقَالَ أَيَّةَ دَعْوَى كَانَتْ أَوْ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ أَيَّةَ دَعْوَى كَانَتْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي الصُّلْحِ فِي نَوْعٍ فِيمَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ مَا نَصُّهُ ادَّعَى دَيْنًا أَوْ عَيْنًا عَلَى آخَرَ وَصَالَحَهُ عَلَى بَدَلٍ وَكَتَبَا بِذَلِكَ وَثِيقَةَ الصُّلْحِ وَذَكَرَا فِيهَا صَالَحَا عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى كَذَا وَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى وَلَا خُصُومَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَيْهِ بَعْدَ الصُّلْحِ بِدَعْوَى أُخْرَى بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّعِيَةُ مَثَلًا امْرَأَةً ادَّعَتْ دَارًا وَجَرَى الْحَالُ كَمَا ذُكِرَ ثُمَّ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَطْلُبُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا بِالْمَهْرِ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الدَّعْوَى ذُكِرَتْ مُطْلَقَةً أَيْ عَامَّةً حَيْثُ قَالَ وَلَا خُصُومَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا مَانِعٍ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ وَاحِدًا وَيُصَالِحَ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى تَأَمَّلْ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى قَوْلِهِ لَا دَعْوَى لَهُ حَيْثُ قَالَ وَلَا خُصُومَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَى أَيَّةِ دَعْوَى كَانَتْ.

وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُصَرِّحِينَ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ هُمْ الْمُصَرِّحُونَ بِسَمَاعِهَا بَعْدَ إبْرَاءِ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي مَحَالَّ مُخْتَلِفَةٍ فَلَوْلَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ التَّنَاقُضُ وَاقِعًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ أَجْمَعِينَ

(أَقُولُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>