للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَشْهُورَةِ فَإِنْ صَحَّ نَقْلُهُ فَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ وَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْكُتُبِ الَّذِينَ نَقَلْنَا عَنْهُمْ وَالْمَبْسُوطُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ لَكِنْ لَهُ شُرُوحٌ كَثِيرَةٌ كُلُّ شَرْحٍ مِنْهَا يُسَمَّى الْمَبْسُوطَ فَيُقَالُ مَبْسُوطُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَبْسُوطُ السَّرَخْسِيِّ وَهَكَذَا. فَالظَّاهِرُ

أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ إذْ لَوْ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ لَنَقَلَهَا أَهْلُ الْمُذْهَبِ فِي كُتُبِهِمْ وَكَوْنُ نَصِّ الْحَدِيثِ وَارِدًا بِذَلِكَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِهِ أَيْضًا إذْ لَوْ ثَبَتَ لَمَا سَاغَ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ مُخَالَفَتُهُ وَقَدْ سَمِعْت اسْتِدْلَالَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» فَهُوَ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ النَّصِّ لَوْ ثَبَتَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ نَصَّانِ أَحَدُهُمَا مُبِيحٌ وَالْآخَرُ مُحَرِّمٌ رُجِّحَ الْمُحَرِّمُ وَأَمَّا حَدِيثُ «الرَّهْطِ الَّذِينَ رَقَوْا لَدِيغًا بِالْفَاتِحَةِ وَأَخَذُوا جُعْلًا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» فَمَعْنَاهُ إذَا رَقَيْتُمْ بِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ إنَّ الرُّقْيَةَ بِالْقُرْآنِ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الِاسْتِشْفَاءُ دُونَ الثَّوَابِ بِخِلَافِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الثَّوَابِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ إنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكُتُبِ الْمَذْهَبِ كَمَا عَلِمْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ هُوَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى تِلَاوَتِهِ فَقَدْ سَبَقَ قَلَمُهُ مِنْ التَّعْلِيمِ إلَى التِّلَاوَةِ وَقَدْ اغْتَرَّ بِكَلَامِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالْعَلَائِيِّ وَبَعْضِ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ أَسْمَعْنَاك نُصُوصَ الْمَذْهَبِ فَزَالَ الِاشْتِبَاهُ وَإِنْ أَرَدْت زِيَادَةً عَلَى مَا سَمِعْته فَارْجِعْ إلَى رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِتْمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ فَإِنَّ فِيهَا مَا يَكْفِي وَقَدْ أَلَّفَ الْإِمَامُ الْبِرْكَوِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَ رَسَائِلَ صَرَّحَ فِيهَا بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.

وَصَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ وَأَفْتَى بِبُطْلَانِ ذَلِكَ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ عُمْدَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ بِنَاءُ فُرْنٍ فَأَوْصَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ يَقْرَأُ لَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ سُورَةَ " يس وَتَبَارَكَ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ " وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُهْدِيَانِ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى رُوحِهِ وَعَيَّنَ لَهُمَا كُلَّ يَوْمٍ قِطْعَةً مِصْرِيَّةً تُؤْخَذُ مِنْ أُجْرَةِ الْفُرْنِ فَأَجَابَ: هَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَصِيرُ الْفُرْنُ وَقْفًا وَلِوَرَثَةِ الْمُوصِي التَّصَرُّفُ فِي بِنَاءِ الْفُرْنِ يَجْرِي عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فِي وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ أَوْصَى لِقَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عِنْدَ قَبْرِهِ بِشَيْءٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ رَفَعَ إلَى إنْسَانٍ كَذَا مِنْ مَالِهِ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لَا تَجُوزُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانُوا اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى قُبُورِ الْمَوْتَى فَافْهَمْ. اهـ.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ مُلَخَّصًا وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ اسْتِحْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ إلَخْ فَهَذَا زُبْدَةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا كُلُّهُ أَيْضًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَحْصُلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَتَوَصَّلُونَ إلَيْهَا بِحِيلَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّهَالِيلِ مِنْ الْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فِي بُيُوتِ الْأَيْتَامِ وَدَقِّ الطُّبُولِ وَإِقْلَاقِ الْجِيرَانِ وَالِاجْتِمَاعِ بِحِسَانِ الْمُرْدَانِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ مَعْشُوقٌ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ بِهِ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَجْلِسُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِجَنْبِ مَعْشُوقِهِ بَعْدَ إلْقَاءِ الْعَمَائِمِ وَثَقِيلِ الثِّيَابِ وَيُظْهِرُونَ أَنْوَاعَ الْخَلَاعَاتِ وَالرَّقْصِ بِمَا يُسَمُّونَهُ الكوشت وَالْحَرْبِيَّةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيَهِيجُ بِهِمْ الْهَيَامُ بِسَمَاعِ الْغِنَاءِ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ وَتَخَلُّعِ الْوِلْدَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَذْهَلُ الْعُقُولُ وَلَا يَدْرِي شَيْخُهُمْ مَا يَقُولُ وَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِمْ النِّسْوَانُ مِنْ كُلِّ مَكَان ثُمَّ يَأْكُلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>