للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِجَارَةُ.

بَلْ صَرَّحَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» إلَخْ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ مُطْلَقًا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ ثُمَّ أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَرَاجِعْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ التِّلَاوَةَ الْمُجَرَّدَةَ عَنْ التَّعْلِيمِ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا الثَّوَابُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ لِلتَّالِي مَنْفَعَةٌ سِوَى الثَّوَابِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الثَّوَابِ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالثَّوَابُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْتِمَ لَهُ خِتْمَةً وَيُهْدِيَ ثَوَابَهَا إلَى رُوحِهِ أَوْ رُوحِ أَحَدٍ مِنْ أَمْوَاتِهِ لَمْ يُعْلَمْ حُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ وَلَوْ عَلِمَ حُصُولَهُ لِلتَّالِي لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِالْأُجْرَةِ فَكَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ بَلْ الظَّاهِرُ الْعِلْمُ بِعَدَمِ حُصُولِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الثَّوَابِ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعَمَلِ وَالْقَارِئُ بِالْأُجْرَةِ إنَّمَا يَقْرَأُ لِأَجْلِ الدُّنْيَا لَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَدْفَعُ لَهُ شَيْئًا لَا يَقْرَأُ لَهُ حَرْفًا وَاحِدًا خُصُوصًا مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ حِرْفَتَهُ وَلِذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ إنَّ قَارِئَ الْقُرْآنِ بِالْأُجْرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لَا لِلْمَيِّتِ وَلَا لِلْقَارِئِ.

وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْوَاقِعَاتِ وَيُمْنَعُ الْقَارِئُ لِلدُّنْيَا وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَأَخْذُ شَيْءٍ لِلْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَلَوْ زَارَ قَبْرَ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ وَقَرَأَ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهَا وَلَا مَعْنَى أَيْضًا لِصِلَةِ الْقَارِئِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ اسْتِئْجَارَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ. اهـ. وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ وَعُزِيَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إلَى مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْقَارِئِ لِأَجْلِ قِرَاءَتِهِ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى التِّلَاوَةِ فَالْإِجَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ تَكُونُ بَاطِلَةً بِالْأَوْلَى فَهَذِهِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى مُتَّفِقَةٌ عَلَى بُطْلَانِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَمِنْهَا التِّلَاوَةُ كَمَا سَمِعْت إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِلضَّرُورَةِ كَالتَّعْلِيمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ التِّلَاوَةِ الْمُجَرَّدَةِ بِالتَّعْلِيمِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إذْ لَا ضَرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الِاسْتِئْجَار عَلَيْهَا بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ وَرَأَوْهُ حَسَنًا. اهـ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ لِإِهْدَاءِ ثَوَابِهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ فِيهِ ذَهَابُ الْقُرْآنِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى التَّعْلِيمِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالْجَوَازِ عَلَى التَّعْلِيمِ بِالضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي لَوْ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ لَأَفْتَوْا بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالْجَوَازِ مُخَالِفِينَ لِلْمَذْهَبِ الصَّرِيحِ وَلَوْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ بِأَنْ انْتَظَمَ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ وَأُعْطِيَ الْمُعَلِّمُونَ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُخَالِفُوا الْمَذْهَبَ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الَّتِي سَوَّغَتْ لَهُمْ الْخُرُوجَ عَنْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِأَحَدٍ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ أَصْلًا إلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنْ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ صُرَّةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْحَاوِي قَوْلٌ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى وَالْحَاوِي لِلزَّاهِدِيِّ مَشْهُورٌ بِنَقْلِ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ وَلِذَا قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِمَا يَقُولُهُ الزَّاهِدِيُّ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ وَعَزْوُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى الْمَبْسُوطِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>