للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَافِعِيٍّ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ صَدَرَتْ لِغَيْرِ الزُّرَّاعِ وَكَانَتْ إقْطَاعًا وَمِنْ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ فِي حُكْمِ الشُّيُوعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُوَافِقًا مَذْهَبَهُ مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ مَعَ ثُبُوتِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً أَفْتَى مُفْتِي مَذْهَبِهِ بِالْعَمَلِ بِمَضْمُونِهَا وَأَنْفَذَ حُكْمَهُ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ وَكَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى فَهَلْ يُعْمَلُ بِمَضْمُونِ الْحُجَّتَيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؟

(الْجَوَابُ) : نَعَمْ.

(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ دَفَعَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ إلَى مُؤَدِّبِ الْأَطْفَالِ لِيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فَلَمَّا عَلَّمَهُ إلَى أَنْ قَارَبَ الرُّبُعَ أَخَذَهُ أَبُوهُ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ الْحَلَاوَةَ الْمَرْسُومَةَ وَلَمْ يَشْرِطَا أَجْرًا فَهَلْ يُؤْمَرُ الْوَالِدُ بِتَطْيِيبِ خَاطِرِ الْمُؤَدِّبِ؟

(الْجَوَابُ) : يُؤْمَرُ الْوَالِدُ بِتَطْيِيبِ قَلْبِ الْمُعَلِّمِ وَإِرْضَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِئْجَارِ أَصْلًا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى عَلَّامَةُ فِلَسْطِينَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ.

(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالْأُجْرَةِ فَدَفَعَ زَيْدٌ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لِلرَّجُلِ لِيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً وَلَا أُجْرَةً فَعَلَّمَ الرَّجُلُ الِابْنَ الْمَزْبُورَ الْقُرْآنَ بِتَمَامِهِ وَطَالَبَ أَبَاهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِتَعْلِيمِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُتَعَلِّلًا بِأَنَّ مَا دَفَعَهُ لِلرَّجُلِ مِنْ خَمِيسِيَّةٍ وَحَلْوَى عِنْدَ أَوَائِلِ بَعْضِ السُّوَرِ الْمَشْهُورَةِ أُجْرَتُهُ فَهَلْ يَلْزَمُ زَيْدًا أُجْرَةُ مِثْلِ التَّعْلِيمِ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَعَلُّلِهِ؟

(الْجَوَابُ) : نَعَمْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى فِعْلِ الِاحْتِسَابِ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَجَوَازِ الْإِجَارَةِ لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلِانْقِطَاعِ وَظَائِفِ الْمُعَلِّمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقِلَّةِ الْمُرُوءَةِ فِي الْأَغْنِيَاءِ أَمَّا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِنَّمَا كَرِهَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ لِقُوَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى الْحِسْبَةِ وَوُفُورِ عَطَائِهِمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ الْمُرُوءَةِ فِي التُّجَّارِ وَالْأَغْنِيَاءِ فَكَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْ الْأُجْرَةِ نِصَابُ الِاحْتِسَابِ مِنْ آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِي مُعَلِّمٍ كَانَ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ بِبَعْضِ الْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ وَزَرَعُوا لِيَكُونَ الْخَارِجُ لِلْمُعَلِّمِ ثُمَّ حَصَدُوهُ وَدَاسُوهُ فَجَمِيعُ مَا خَرَجَ لِأَصْحَابِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا الْبَذْرَ إلَى الْمُعَلِّمِ لِيَكُونَ الْخَارِجُ لِلْمُعَلِّمِ وَإِنَّمَا بَذَرُوا بَذْرَ أَنْفُسِهِمْ ذَخِيرَةٌ مِنْ الْمُزَارَعَةِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ قَالَ لِلْقَارِئِ اخْتِمْ الْقُرْآنَ لِي أَوْ لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي أَوْ لِابْنِي وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ وَخَتَمَهُ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْقَارِئِ.

وَهُوَ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ أَعْنِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا أَمَّا إذَا سَمَّى أَجْرًا لَزِمَ مَا سَمَّى لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْأَجِيرُ إنْ عَقَدَاهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ إلَّا أَنْ يَهَبَ الْأَجِيرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَا فَوْقَ الْمُسَمَّى إلَى الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ مَا فَوْقَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ صُرَّةُ الْفَتَاوَى مِنْ الْإِجَارَةِ عَنْ الْحَاوِي

(أَقُولُ) اعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الطَّاعَاتِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَاسْتَثْنَى الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ فَجَوَّزُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَيْهِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا مَرَّ وَبِالضَّرُورَةِ وَهِيَ خَوْفُ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ انْقَطَعَتْ الْعَطَايَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعُدِمَ الْحِرْصُ عَلَى الدَّفْعِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ يَشْتَغِلُ الْمُعَلِّمُونَ بِمَعَاشِهِمْ وَلَا يُعَلِّمُونَ أَحَدًا وَيَضِيعُ الْقُرْآنُ فَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالْجَوَازِ لِذَلِكَ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ فَفِي تَفْوِيتِهِمَا هَدْمُ الدِّينِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُسْتَثْنَاةٌ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ لِعَدَمِ الضَّرُورَة؛ لِأَنَّ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْمَأْمُورِ عَلَى سَبِيلِ النَّفَقَةِ وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَضَلَ مَعَ الْمَأْمُورِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْآمِرِ فَحَيْثُ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِالدَّفْعِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ لَمْ تَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>