إلَيْهَا الْمَالَ مَا لَمْ يُؤْنِسْ مِنْهَا الرُّشْدَ فَحِينَئِذٍ يَدْفَعُ إلَيْهَا مَالَهَا لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ بِالسَّفَهِ، قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ بِالسَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى صِيَانَةً لِمَالِهِ اهـ فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهَا الْمَالُ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَعِنْدَهُمَا إلَى أَنْ يُؤْنِسَ رُشْدَهَا وَإِذَا حُجِرَ عَلَيْهَا بِالسَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ فَعِنْدَهُمَا: لَا يُدْفَعُ إلَيْهَا الْمَالُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهَا فَفِي الْأَوَّلِ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَدَّمَهُ فِي الْمُلْتَقَى، وَالْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْوِيرِ، وَالدُّرَرِ وَفِي الثَّانِي الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ
(أَقُولُ) ، وَالتَّلْخِيصُ الْمُفِيدُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عِنْدَ الْإِمَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجْرٍ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ لِلتَّأْدِيبِ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَبَعْدَهَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ رَشِيدًا لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأْدِيبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ مَالَهُ حَتَّى يُؤْنِسَ رُشْدَهُ وَإِنْ صَارَ شَيْخًا وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَفَعَ وَصِيُّهُ إلَيْهِ الْمَالَ بَعْدَمَا بَلَغَ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَهُوَ مُفْسِدٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ اعْتِمَادُ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي تَقْيِيدِ الْمَنْعِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ غَيْرُهُمْ بِاعْتِمَادِ قَوْلِهِمَا نَعَمْ صَرَّحَ غَيْرُهُمْ بِتَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ، وَالدَّيْنِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَهَذَا تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّصْحِيحِ الِالْتِزَامِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَيْ أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ الْتَزَمُوا ذِكْرَ الصَّحِيحِ وَهُمْ فِي الْغَالِبِ يَمْشُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَدْ مَشَوْا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ تَصْحِيحٌ لَهُ الْتِزَامًا وَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الِالْتِزَامِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التتارخانية أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا فِي أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي الْحَجْرِ بِالْفَسَادِ وَالسَّفَهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا حَجْرَ عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ وَلَا يَنْفَكُّ حَتَّى يُطْلِقَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَإِصْلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ، وَالثَّمَرَةُ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي يَجُوزُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرْتُهُ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فَاغْتَنِمْهُ.
(سُئِلَ) فِي يَتِيمٍ بَلَغَ رَشِيدًا فَطَلَبَ مَالَهُ مِنْ أَخِيهِ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ لَهُ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ بَلَغَ رَشِيدًا يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ بِتَسْلِيمِ مَالِهِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ (أَقُولُ) فِي حَاشِيَةِ الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَإِذَا أَدْرَكَ الْيَتِيمُ لَمْ يُعَجِّلْ بِدَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَتَأَنَّى وَيُجَرِّبُهُ بِشَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ فَإِنْ وَجَدَهُ مُصْلِحًا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ مَاجِنًا مُفْسِدًا تَأَنَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ صَلُحَ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَا بَأْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ وَيَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِلِاخْتِبَارِ عِنْدَنَا فَإِنْ آنَسَ مِنْهُ رُشْدًا دَفَعَ إلَيْهِ الْبَاقِي، وَالرُّشْدُ هُنَا: الِاسْتِقَامَةُ، وَالِاهْتِدَاءُ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَإِصْلَاحِهِ اهـ.
وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: يَتِيمٌ أُدْرِكَ مُفْسِدًا غَيْرَ مُصْلِحٍ وَهُوَ فِي حِجْرِ وَصِيِّهِ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَحْجُرْ فَسَأَلَ وَصِيَّهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ وَضَاعَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ضَمِنَ وَصِيُّهُ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ تَضْيِيعٌ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ وَهُوَ صَبِيٌّ مُصْلِحٌ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلْمَ الْوَصِيِّ بِصَلَاحِهِ وَرُشْدِهِ يَكْفِي فِي جَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ رُشْدِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ؟ نَعَمْ لَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَصِيُّ لَا يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute