إلَيْهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ رُشْدُهُ كَمَا فِي صُورَةِ سُؤَالِ الْمُؤَلِّفِ وَبَقِيَ مَا لَوْ بَلَغَ وَلَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ رُشْدِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْأَوَّلُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ بَلَغَ لَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ حَتَّى يُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِسَيِّدِي مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيَّةِ: وَكَمَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَهُوَ مُفْسِدٌ.
فَكَذَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ لَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ اهـ. وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ غَيْرَ رَشِيدٍ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا لِمَالِهِ ثُمَّ بَلَغَ وَلَمْ يَظْهَرْ رُشْدُهُ أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ رَشِيدًا غَيْرَ سَفِيهٍ فَلَا كَلَامَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَيْضًا فَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْخَانِيَّةِ الْمَارِّ آنِفًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ السَّفَهَ مِنْ الْعَوَارِضِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ الرُّشْدُ وَفِي الْمُتُونِ فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَيَّدُوا ذَلِكَ بِبُلُوغِهِ غَيْرَ رَشِيدٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ وَهُوَ رَشِيدٌ أَوْ لَمْ يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّلَبِيِّ سُؤَالًا فِيمَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ فَهَلْ الْأَصْلُ بَعْدَهُ الرُّشْدُ أَوْ السَّفَهُ وَهَلْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ ثُمَّ ظَهَرَ مُفْسِدًا يَبْرَأُ الدَّفْعُ أَمْ لَا؟
(وَالْجَوَابُ) : قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: " أَمَّا الصَّبِيُّ فَاَلَّذِي يَرْفَعُ عَنْهُ الْحَجْرَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا إذْنُ الْوَلِيِّ لَهُ بِالتِّجَارَةِ، وَالثَّانِي بُلُوغُهُ اهـ " إلَى أَنْ قَالَ: فَمَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ حَالِهِ سَفَهٌ وَلَا رُشْدٌ كَمَا هُوَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَيْهِ مَالَهُ فَظَهَرَ مُفْسِدًا لَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ قَاضِي خَانْ وَلِأَنَّهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ الْحَجْرُ بِالْبُلُوغِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ سَفَهٌ وَقْتَ الدَّفْعِ وَلِأَنَّهُ بِالسَّفَهِ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا بِحَجْرِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَا.
لَكِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ الِاخْتِبَارِ. اهـ. فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ إثْبَاتَ الرُّشْدِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ جُحُودِ الْوَصِيِّ لَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الشَّلَبِيِّ أَيْضًا حَيْثُ سُئِلَ فِيمَنْ بَلَغَتْ وَعَلَيْهَا وَصِيٌّ وَلَهَا مَالٌ تَحْتَ يَدِهِ فَهَلْ يَثْبُتُ رُشْدُهَا بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ، الْجَوَابُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فَإِنْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً سُلِّمَ إلَيْهَا مَالُهَا وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهَا الرُّشْدُ اهـ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَأَقَرَّهُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَإِلَّا نَاقَضَ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَهُنَا شَيْءٌ لَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْوَصِيُّ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ وَبَعْدَ طَلَبِهِ فَهَلَكَ مَعَ شِدَّةِ الِافْتِقَارِ إلَى ذِكْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الدَّفْعِ فَلَمْ يَدْفَعْ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَنْعِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِظُهُورِهِ وَأَمَّا إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَطَلَبَ مَالَهُ فَمَنَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ حَالُهُ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ وَصَلَاحِيَّتُهُ فِي نَفْسِهِ بِالِاخْتِبَارِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ. . . إلَخْ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الْفَرِيدَةَ، وَكَتَبَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ عَنْ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ إذَا تَصَرَّفَ وَبَاعَ وَاشْتَرَى وَأَقَرَّ وَتَزَوَّجَ فَادَّعَى أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَنَّهُ تَحْتَ الْحَجْرِ وَأَنَّهُ سَفِيهٌ فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَابَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا بَلَغَ عَاقِلًا فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ وَيَلْزَمُهُ أَحْكَامُهُمْ.
وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ مَحْجُورٌ إلَّا إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَنَفَّذَ حَاكِمٌ آخَرُ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ
(أَقُولُ) أَيْضًا وَفِي هَذَا تَأْيِيدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ الرُّشْدُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْحَجْرُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ تَأَمَّلْ لَكِنَّ اشْتِرَاطَ التَّنْقِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى التُّمُرْتَاشِيِّ صَاحِبِ التَّنْوِيرِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ بِمَا نَصُّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ السَّفِيهُ عَاقِلًا فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ وَتَلْزَمُهُ أَحْكَامُهَا إلَّا إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَنَفَّذَ حَاكِمٌ آخَرُ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ قَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْهُ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ وَلِهَذَا لَمْ يُوجَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute