الْخُصُومَةِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ بَلْدَةِ الْغَصْبِ فَحِينَئِذٍ لِلْمَالِكِ خِيَارَاتٌ ثَلَاثٌ رَضِيَ بِهِ أَوْ انْتَظَرَ أَوْ أَخَذَ قِيمَتَهُ مَكَانَ الْغَصْبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو الْأَخَوَيْنِ غِرَاسُ عِنَبٍ وَزَيْتُونٍ قَائِمٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ جَارٍ فِي مِلْكِهِمَا نِصْفَيْنِ فَغَابَ زَيْدٌ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ فَتَصَرَّفَ عَمْرٌو بِجَمِيعِ ثَمَرِ الْغِرَاسِ الْمَذْكُورِ لِنَفْسِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْ أَخِيهِ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ حَضَرَ أَخُوهُ وَطَالَبَهُ بِمِثْلِ مَا تَصَرَّفَ بِهِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَرِ فَهَلْ يَلْزَمُ عَمْرًا مِثْلُ مَا تَصَرَّفَ بِهِ مِنْ حِصَّةِ أَخِيهِ زَيْدٍ مِنْ الثَّمَرِ الْمَزْبُورِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لِأَنَّ الْعِنَبَ مِثْلِيٌّ كَمَا فِي عَامَّةِ الْفَتَاوَى خِلَافًا لِفَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَكَذَا الزَّيْتُونُ مِثْلِيٌّ مَكِيلٌ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةُ وَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَ أَجْزَائِهِ يُعْتَدُّ بِهِ وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ قِيَمِيٌّ ثُمَّ الْمِثْلُ قَدْ يَكُونُ مَصْنُوعًا فَحَيْثُ تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ بِجَعْلِهِ نَادِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ كَالْقُمْقُمَةِ، وَالْقِدْرِ، وَالْإِبْرِيقِ يَكُونُ قِيَمِيًّا وَقَدْ يَكُونُ مَصْنُوعًا بِحَيْثُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ لِبَقَاءِ كَثْرَتِهِ وَعَدَمِ تَفَاوُتِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ دُرَرٌ مِنْ الْغَصْبِ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ يَعْنِي غَيْرَ الْمَصْنُوعِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ وَكَذَا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ، وَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا.
وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْغَصْبِ لَيْسَ كُلُّ مَكِيلٍ مِثْلِيًّا وَلَا كُلُّ مَوْزُونٍ إنَّمَا الْمِثْلِيُّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مَا هِيَ مُتَقَارِبَةٌ أَمَّا مَا هُوَ مُتَفَاوِتٌ فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَكَانَتْ الْمَكِيلَاتُ، وَالْمَوْزُونَاتُ، وَالْعَدَدِيَّاتُ سَوَاءً عِمَادِيَّةٌ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ أَنَّ اللَّحْمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْمِشْمِشَ، وَالْخَوْخَ كُلَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لِأَنَّهَا عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: وَثِمَارُ النَّخْلِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَأَمَّا بَقِيَّةُ الثِّمَارِ فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ الشَّجَرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْعِنَبُ مِثْلِيٌّ وَكَذَا الزَّبِيبُ وَكُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ كَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْفَتَاوَى وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَأَحَالَهُ إلَى زِيَادَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ الْعِنَبَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَلُّ، وَالْعَصِيرُ مِثْلِيَّانِ وَكَذَا الدَّقِيقُ، وَالنُّخَالَةُ، وَالْجِصُّ، وَالنُّورَةُ، وَالْقُطْنُ، وَالصُّوفُ وَغَزْلُهُ، وَالتِّبْنُ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِهِ مِثْلِيٌّ فِي اللَّحْمِ اخْتِلَافٌ، وَالْكَتَّانُ، وَالْإِبْرَيْسَمُ، وَالنُّحَاسُ، وَالصُّفْرُ، وَالرَّصَاصُ، وَالْحَدِيدُ، وَالْحِنَّاءُ، وَالْوَسْمَةُ، وَالرَّيَاحِينُ الْيَابِسَةُ كُلُّهَا مِثْلِيٌّ، وَالْجَمْدُ مِثْلِيٌّ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ قِيَمِيٌّ وَأَمَّا الْمَاءُ فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْكَاغَدُ مِثْلِيٌّ، وَالرُّمَّانُ، وَالسَّفَرْجَلُ، وَالْقِثَّاءُ، وَالْبِطِّيخُ مِمَّا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فَتَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَكُلُّ مَوْزُونَيْنِ إذَا اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا يَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا وَيَصِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَالسِّرْقِينُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَكَذَا الْحَطَبُ وَأَوْرَاقُ الشَّجَرِ كُلُّهَا، وَالْبُسُطُ، وَالْحُصْرُ، وَالْبَوَارِي، وَالْأَدَمُ، وَالصُّرَّمُ، وَالْجُلُودُ كُلُّهَا قِيَمِيَّاتٌ كَالثِّيَابِ، وَالْإِبْرَةُ، وَالرَّيَاحِينُ الرَّطْبَةُ، وَالْبُقُولُ، وَالْقَصَبُ، وَالْخَشَبُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ.
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا اسْتِقْرَاضُهَا أَمَّا الرَّيَاحِينُ الْيَابِسَةُ الَّتِي تُكَالُ وَتُوزَنُ فَمَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ عِنْدَ اسْتِهْلَاكِهَا فَيَجُوزُ السَّلَمُ وَالْقَرْضُ فِيهَا، مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ الْفَحْمُ مِثْلِيٌّ، وَالتُّرَابُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَقِيلَ مِثْلِيٌّ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ اللَّبَنُ مِثْلِيٌّ خَيْرِيَّةٌ مِنْ الدَّعْوَى، الزَّيْتُ مِثْلِيٌّ خَيْرِيَّةٌ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الزَّيْتُونُ مِثْلِيٌّ خَيْرِيَّةٌ قُبَيْلَ الْإِقَالَةِ الْغَزْلُ الْمَصْبُوغُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ يَتِيمَةُ الدَّهْرِ.
(أَقُولُ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: اعْلَمْ أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ أَيْ الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ، وَالْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبَ مِثْلِيًّا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute