كَانَ عَلَى الْغِرَاسِ وَقْتَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ ثَمَرَةٌ مُدْرِكَةٌ قَدْ انْتَهَتْ وَلَمْ يَعْمَلْ عَمْرٌو فِيهَا شَيْئًا وَتَصَرَّفَ عَمْرٌو بِالثَّمَرَةِ الْمَزْبُورَةِ لِنَفْسِهِ وَيُرِيدُ زَيْدٌ الْآنَ تَضْمِينَهُ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ فِي الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِيِّ حَيْثُ انْقَطَعَ الْمِثْلُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَالْمُسَاقَاةُ الْمَزْبُورَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؟
(الْجَوَابُ) : إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مُدْرِكَةً أَيْ قَدْ انْتَهَتْ لَا تَصِحُّ كَالْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ، فَإِنْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمُزَارَعَةِ وَالْأَصْلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَتَى عُقِدَتْ عَلَى مَا هُوَ فِي حَدِّ النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ صَحَّتْ، وَإِنْ عُقِدَتْ عَلَى مَا تَنَاهَى عِظَمُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَزِيدُ فِي نَفْسِهِ بِسَبَبِ عَمَلِ الْعَامِلِ لَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ خُرُوجُ الْأَثْمَارِ عَنْ حَدِّ الزِّيَادَةِ إذَا بَلَغَتْ وَأَثْمَرَتْ. اهـ. وَمِثْلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلَانِ أَرْضَ بُسْتَانٍ مِنْ آخَرَ لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بَعْدَمَا سَاقَاهُمَا عَلَى أَشْجَارِهِ الْقَائِمَةِ بِهَا إجَارَةً وَمُسَاقَاةً صَحِيحَتَيْنِ ثُمَّ إنَّهُ فُسِخَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) : إذَا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لَا تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ عَلَى حِدَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَجَابَ عَنْهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: إذَا فُسِخَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَالْأَشْجَارُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُسَاقِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ إلَّا بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ بِأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ خَائِنًا فِي الثَّمَرَةِ. اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي نَهْجِ النَّجَاةِ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ مِنْ الْإِجَارَةِ ضِمْنَ سُؤَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ قَارِئَ الْهِدَايَةِ نَصَّ أَنَّهُ إذَا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لَا تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ. اهـ. بَقِيَ إذَا فُسِخَتْ الْمُسَاقَاةُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ لِغَيْرِ رَبِّ الْغِرَاسِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ
(أَقُولُ) وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فَارِغَةً غَيْرَ مَشْغُولَةٍ بِمِلْكِ الْمُؤَجِّرِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِمَّا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ وَلِذَا كَانَ تَقْدِيمُ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْغِرَاسِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا إذَا كَانَ الْغِرَاسُ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ فَيَصِحُّ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَمِنْ غَيْرِ مُسْتَأْجِرٍ أَصْلًا فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ السَّابِقَةِ بَقِيَ أَنَّ انْفِسَاخَ الْإِجَارَةِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا ظَهَرَ فَسَادُ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ أَصْلِهِ لِمَا قُلْنَا أَمَّا لَوْ كَانَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَمَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ الثَّمَرَةُ فِي مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَوْ تَقَايَلَا عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنْ لَا يَنْفَسِخَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ.
مِنْهَا أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً لَا تَصِحُّ فَتَأَمَّلْ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ آجَرَ أَرْضَ كَرْمِهِ لِآخَرَ بَعْدَ مَا تَسَاقَيَا عَلَى الْغِرَاسِ الْقَائِمِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَتَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ (أَقُولُ) إنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ لَكِنَّهُ يَبْقَى حُكْمًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ بَلْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَبَطَلَ هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَبْطُلُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاسْتِحْسَانَ بَقَاؤُهُ حُكْمًا لَا يُنَافِي تَصْرِيحَ الْمُتُونِ بِالْبُطْلَانِ بِالْمَوْتِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَالْمُلْتَقَى بَعْدَ تَصْرِيحِهِمَا بِالْبُطْلَانِ، فَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ تَقُومُ وَرَثَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ الدَّافِعُ، وَإِنْ مَاتَ الدَّافِعُ يَقُومُ الْعَامِلُ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَرِهَ وَرَثَةُ الدَّافِعِ. اهـ. فَقَدْ جَعَلُوا حُكْمَ الْعَقْدِ بَاقِيًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَطَلَ وَنَظِيرُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ يَبْقَى حُكْمُ الْإِجَارَةِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَيَّدَ الْبُطْلَانَ بِالْمَوْتِ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ بِمَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute