بِمَا يَثْبُتُ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالْبِنَاءِ وَالْأَغْلَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ سُكْنَى قَالَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سُكْنَى لَهُ فِي حَانُوتِ رَجُلٍ آخَرَ مُرَكَّبًا بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِأَنَّ أُجْرَةَ هَذَا الْحَانُوتِ سِتَّةٌ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أُجْرَتَهُ عَشْرَةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ فِي غَيْرِ الْمَشْرِيِّ وَلِصَاحِبِ الْحَانُوتِ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ رَفْعَ السُّكْنَى، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَهُ. اهـ. وَفِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ شَرَى سُكْنَى فِي دُكَّانٍ وَقْفٍ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي مَا أَذِنْتُ لَهُ بِالسُّكْنَى فَأَمَرَهُ بِالرَّفْعِ فَلَوْ شَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَرَارِ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ وَلَا بِنُقْصَانِهِ. اهـ.
وَهُوَ غَيْرُ الْخُلُوِّ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِدَمِيَّةِ وَوَضْعِ الْيَدِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ هُوَ وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْخُلُوِّ، فَإِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ السُّكْنَى أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ مَمْلُوكَةٌ كَمَا أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَكِنْ إذَا كَانَ هَذَا الْجَدَكُ الْمُسَمَّى بِالسُّكْنَى قَائِمًا فِي أَرْضِ وَقْفٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِبْقَاءُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ، وَإِنْ أَبَى النَّاظِرُ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَأَفْتَى بِهِ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَانُوتِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَفْعَهُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْحَانُوتِ الْمِلْكِ بِقَرِينَةِ مَا فِي الْفُصُولَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ يَمْتَنِعُ صَاحِبُهُ عَنْ إيجَارِهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْكُنَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يُعَطِّلَهُ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ الْمُعَدِّ لِلْإِيجَارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهُ فَإِيجَارُهُ مِنْ ذِي الْيَدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَارِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ لِلْوَقْفِ وَلِذِي الْيَدِ وَالْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَنْ يَنْظُرَ بِكَمْ يُسْتَأْجَرُ إذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ الْجَدَكِ بِلَا زِيَادَةِ ضَرَرٍ وَلَا زِيَادَةِ رَغْبَةٍ مِنْ شَخْصٍ خَاصٍّ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلْأُجْرَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا الْأَكْثَرُ وَلَكِنْ هَذَا قَلَّ أَنْ يُوجَدَ فِي زَمَانِنَا بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْجِرُهُ صَاحِبُ الْجَدَكِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ يُسَمَّى بِالْمَرْصَدِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلٌ عَقَارَ الْوَقْفِ مِنْ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ مَثَلًا وَيَأْذَنَ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِعِمَارَتِهِ أَوْ مَرَمَّتِهِ الضَّرُورِيَّةِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ مَالٍ حَاصِلٍ فِي الْوَقْفِ وَعَدَمِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ يُمْكِنُ تَعْمِيرُهُ أَوْ مَرَمَّتُهُ بِهَا فَيُعَمِّرُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْوَقْفِ عِنْدَ حُصُولِهِ أَوْ اقْتِطَاعِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَهَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَوْ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَنْبَلِيٌّ أَوْ لَا.
قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَرَاجِعْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْعِمَارَةَ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ هِيَ وَقْفٌ تَابِعَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهَا بِمَالِ الْوَقْفِ وَمَا أَنْفَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْوَقْفِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ تِلْكَ الْعِمَارَةَ وَلَا بَيْعُهُ لِذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَعَمْ إذَا أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ الْخُرُوجَ لَهُ قَبْضُ دَيْنِهِ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ بِإِذْنِ النَّاظِرِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الدَّيْنُ لِلدَّافِعِ كَمَا كَانَ لِلْقَابِضِ حَتَّى لَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنِ النَّاظِرِ بَرِئَ الْوَقْفُ مِنْهُ وَلَيْسَ لِلدَّافِعِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَقْفِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا أَخْذُهُ مِنْ الْقَابِضِ كَمَنْ أَوْفَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُدَايَنَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَقَعُ هَذَا كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ عِنْدَ تَعَنُّتِ النَّاظِرِ فِي طَلَبِ زِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فِي الرِّشْوَةِ حَتَّى يَأْذَنَ بِالدَّفْعِ فَيَقْبِضُ صَاحِبُ الْمَرْصَدِ جَمِيعَ مَرْصَدِهِ سِرًّا بِلَا إذْنِ النَّاظِرِ ثُمَّ يُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَرْصَدِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ أَيْ الدَّافِعُ وَأَنَّ اسْمَهُ كُتِبَ فِي صَكِّ الْمَرْصَدِ عَارِيَّةً وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَنْفَعُ الدَّافِعَ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بَلْ يَبْرَأُ الْوَقْفُ عَنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَسُوغُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ كَمَا قُلْنَا وَلَا قَبْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَبَرِّعًا بِمَا دَفَعَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute