(الْجَوَابُ) : نَعَمْ يَجُوزُ الرَّهْنُ الْمَزْبُورُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(فَرْعٌ)
رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِآخَرَ وَبِهَا كَفِيلٌ فَأَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا وَأَعْطَاهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا رَهْنًا قَالَ زُفَرُ أَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا هَلَكَ الثَّانِي، فَإِنْ عَلِمَ رَاهِنُهُ بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ حِينَ رَهَنَهُ هَلَكَ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلَكَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يَهْلَكُ بِالنِّصْفِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ فَاحْتَمَلَ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ وَاحْتَمَلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ يَسْتَوِي الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا مَا قَالَ زُفَرُ وَالثَّانِي مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالثَّالِثُ رِوَايَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ ذَخِيرَةٌ مِنْ الْفَصْلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَوْجُهَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ.
(سُئِلَ) فِيمَا اسْتَدَانَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو مَبْلَغًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَتَسَلَّمَهُ مِنْ عَمْرٍو بَعْدَ مَا رَهَنَ زَيْدٌ بِذَلِكَ عِنْدَ عَمْرٍو حِصَّةً مَعْلُومَةً شَائِعَةً لَهُ فِي دَارٍ مُعَيَّنَةٍ وَتَسَلَّمَهَا مِنْهُ ثُمَّ بَاعَ زَيْدٌ الْحِصَّةَ الْمَرْهُونَةَ فَهَلْ يُعَامَلُ الرَّهْنُ الْفَاسِدُ مُعَامَلَةَ الصَّحِيحِ وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ الرَّاهِنِ لَهُ وَلِعَمْرٍو وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) : رَهْنُ الْمُشَاعِ قِيلَ بَاطِلٌ وَقِيلَ فَاسِدٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفَاسِدُ الرَّهْنِ كَصَحِيحِهِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ وَصَرَّحَتْ بِهِ عُلَمَاؤُنَا قَاطِبَةً كَذَا ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ إلَى أَنْ تَصِلَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمُ كَمَا فِي الرَّهْنِ الْجَائِزِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْبَدَلَ فِي الْعَيْنِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي أَدَّاهَا لِيَتَوَصَّلَ إلَيْهَا بِحَبْسِ الرَّهْنِ: كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ: مَاتَ الرَّاهِنُ عَنْ دُيُونٍ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ حَالَ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ حَتَّى إذَا تَقَابَضَا وَتَنَاقَضَا الْفَاسِدَ فَلِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الرَّاهِنُ مَا قَبَضَ، وَبَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ الْمُرْتَهِنُ بِالْمَرْهُونِ الْفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا لَحِقَ الدَّيْنُ الرَّهْنَ الْفَاسِدَ، أَمَّا إذَا سَبَقَ الدَّيْنُ ثُمَّ رَهَنَ فَاسِدًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ ثُمَّ تَنَاقَضَا بَعْدَ قَبْضِهِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ السَّابِقِ وَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ لِعَدَمِ الْمُقَابَلَةِ حُكْمًا لِفَسَادِ السَّبَبِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ السَّابِقِ وَالدَّيْنِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَبَضَهُ بِمُقَابَلَةِ الرَّهْنِ وَهَاهُنَا الْقَبْضُ سَابِقٌ فَتَثْبُتُ الْمُقَابَلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ ثَمَّةَ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ الصَّحِيحِ تَقَدَّمَ الدَّيْنُ أَوْ تَأَخَّرَ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ الرَّهْنِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَفِيسَةٌ جِدًّا فَلْتَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا وُجِدَ التَّفَاسُخُ وَالرَّهْنُ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتَاوِيه، وَمِثْلُهُ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ مِنْ الْبَيْعِ مِنْ فَصْلِ بَيْعِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَرْهُونِ
(أَقُولُ) مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ تَنَاقَضَا أَيْ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى فَسَادِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّهُ إصْرَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنْ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا نَقَضَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمَعْصِيَةُ، وَحَبْسُ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ لَا يَكُونُ إصْرَارًا؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا قَبَضَ، فَإِذَا امْتَنَعَ فَهُوَ الْمُصِرُّ. أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِلْمُشْتَرِي الْحَبْسُ إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
فَقَوْلُهُ لَمَّا نَقَضَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمَعْصِيَةُ يُفِيدُ أَنَّهُ قَبْلَ النَّقْضِ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِبَقَاءِ الْمَعْصِيَةِ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَهُوَ مُفَادُ تَقْيِيدِهِمْ الْمَسْأَلَةَ بِالنَّقْضِ أَيْضًا، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْضِ لَهُ حَبْسُهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَبِيعَ فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَبَعْدَ فَسْخِهِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْلَا الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ وَكَذَلِكَ هُنَا، فَإِذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ نَقْضِ الْعَقْدِ وَارْتِفَاعِهِ يَكُونُ لَهُ حَبْسُهُ قَبْلَ نَقْضِهِ بِالْأَوْلَى لِقِيَامِ الْعَقْدِ الْمُلْحَقِ بِالصَّحِيحِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute