التَّتَارْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ: الرَّهْنُ عِنْدَهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَفِي أَوَاخِرِ الرَّهْنِ مِنْ التَّنْوِيرِ كُلُّ حُكْمِ رَهْنٍ عُرِفَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّقْضِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا بَقِيَ الْعَقْدُ بِلَا نَقْضٍ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا فَسْخُهُ، وَإِذَا فَسَخَاهُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ، وَأَمَّا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَحَبْسُ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ تُفِيدُ أَنَّهُ إذَا حَبَسَ الْمَرْهُونَ لِيَصِلَ إلَيْهِ حَقُّهُ لَا يَكُونُ إصْرَارًا؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ إنَّمَا هُوَ بِإِبْقَاءِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِلَا فَسْخٍ لَا بِمُجَرَّدِ حَبْسِ الْمَرْهُونِ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ فَنَفْسُ الْحَبْسِ لَيْسَ إصْرَارًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ الْمَعْصِيَةِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَيَبْقَى الْمَرْهُونُ تَحْتَ يَدِهِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا اسْتَدَانَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو مَبْلَغًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ وَرَهَنَ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ دَارِهِ الْمَعْلُومَةَ رَهْنًا شَرْعِيًّا مُسَلَّمًا لِيَدِ عَمْرٍو ثُمَّ مَاتَ كُلٌّ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو عَنْ وَرَثَةٍ وَعَنْ دُيُونٍ أُخَرَ لِأَرْبَابِهَا وَلَمْ يَتْرُكْ زَيْدٌ سِوَى الدَّارِ فَهَلْ تَكُونُ وَرَثَةُ عَمْرٍو الْمُرْتَهِنِ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا دَيْنَهُمْ؟
(الْجَوَابُ) : لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى رَهْنًا عِنْدَ الْوَرَثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ: مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ. اهـ. فَوَرَثَةُ عَمْرٍو الْمُرْتَهِنِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا دَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ عَلَيْهِ يَدًا مُسْتَحَقَّةً، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ فَلِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا رَهَنَ زَيْدٌ عِنْدَ عَمْرٍو كَرْمًا مَعْلُومًا سَلَّمَهُ مِنْهُ بِدَيْنٍ اسْتَدَانَهُ وَقَبَضَهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ دَيْنَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَكُنْ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ وَمَاتَ زَيْدٌ عَنْ وَرَثَةٍ أَحْضَرُوا الدَّيْنَ لِعَمْرٍو لِيَرُدَّ لَهُمْ الرَّهْنَ فَامْتَنَعَ زَاعِمًا أَنَّ الرَّهْنَ صَارَ لَهُ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يَكُونُ الْبَيْعُ غَيْرَ صَحِيحٍ وَلَا عِبْرَةَ بِزَعْمِهِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الرَّهْنِ نَاقِلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ لَمْ أُعْطِك دَيْنَك إلَى كَذَا فَهُوَ بَيْعٌ لَك بِمَا لَك عَلَيَّ لَا يَجُوزُ. وَذَكَرَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ إنْ لَمْ أُوَفِّيَنَّكَ مَالَك إلَى كَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا لَك بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الرَّهْنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَطَلَ الرَّهْنُ أَيْضًا. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ بِنَاءُ دَارٍ مَعْلُومَةٍ قَائِمٍ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فِي أَرْضِ وَقْفٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ عَمْرٍو ثُمَّ اسْتَدَانَ مِنْهُ مَبْلَغًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَهَلْ يَكُونُ فَاسِدًا وَفَاسِدُ الرَّهْنِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الصَّحِيحِ؟
(الْجَوَابُ) : صَرَّحُوا بِأَنَّ رَهْنَ الْبِنَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ وَعَدَمُ الْجَوَازِ يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ وَلَكِنْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ فِي الْبَيْعِ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَالًا مَضْمُونًا وَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ. ثُمَّ قَالَ: فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ لِوُجُودِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ وَلَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الدُّرَرِ مِنْ بَابِ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ وَرَثَةٍ وَتَرِكَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ الرَّهْنُ فِي تَرِكَتِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي تَرِكَتِهِ؟
(الْجَوَابُ) : يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فِي تَرِكَتِهِ وَتَقْبِضُ الْوَرَثَةُ مِنْ الرَّاهِنِ مِقْدَارَ دَيْنِ مُوَرِّثِهِمْ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ مُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ: وَلَوْ رَهَنَ طَيْلَسَانًا يُسَاوِي مِائَةً