للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في طلَبِ الهِدَايَةِ؟ إِلَى الله عزَّ وجَلَّ، حتَّى نفسُك لا تعْتَمِدْ علَيْها، اعْتَمِدْ عَلَى الله عَزَّ وَجلَّ في الهدَايَةِ واسأَلْه دَائِمًا الثّباتَ، وَلِهَذا يقُولُ الله عَزَّ وَجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النّساء: ١٣٦]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، هُم آمَنُوا بِاللهِ ورَسُولِه، لكِنَّ المُرادَ اثْبُتُوا عَلَى هَذَا الشّيْءِ، اثْبُتوا عَلَيْه وحقِّقُوه، وَهَذا كُلُّه لا يُنَال إِلَّا باللهِ.

الفائِدَةُ الخامسةُ: أنَّ هَؤُلاءِ الظّالمِينَ لَا يَجِدُون مَن يَنْصُرهم مِن عذَابِ الله؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}.

الفائِدَةُ السادسةُ: أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى لا يُضلُّ أحدًا إلَاّ لظُلْمِه إِذْ هُو الَّذِي بَدَأ وانْحَرفَ في إرادَةٍ سيِّئَةٍ، فظَلم فأضَلَّهُ الله؛ لقوْلِه تَعالَى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}، هَذا مُفرَّعٌ عَلَى الَّذِي قبْلَهُ؛ وَلِهَذا أُتِي بِـ (الفَاءِ)، {فَمَنْ يَهْدِي} إشارَةً إِلَى أنَّ إِضْلالهُم إِنَّما كانَ بِسَبَبِ ظُلْمِهم، هُمُ الَّذِين ظَلَمُوا فأُضِلُّوا والعِيَاذُ بِاللهِ.

إِذَا قَالَ قَائِلٌ: قوْله تَعالَى: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} هَل يُشْكِل علَيْه مَا وقَع مِن نصْرِ المُشْرِكين في أُحُدٍ، حيثُ حصَلَتْ هَزِيمةٌ عَلَى المُسْلِمينَ، ومعْلُومٌ أنَّه انْتِصارٌ للكَافِرِينَ؛ لأَنَّ الهزيمةَ لخَصْمٍ انْتِصارٌ للخَصْم الآخَرِ، وَلِهَذا قالَ أَبُو سُفيانَ: "أُعْلُ هُبَل" (١) في ذَلِكَ اليَوْم، فهَلْ يُنافي الآيَةَ الكَرِيمةَ؟

قُلْنَا: كأنَّ نصْرَهم ليْسَ لأَجْلِ أنْ ينتصِروا, ولكِنْ لأَجْل ابْتِلاءِ الآخَرِينَ؛ وَلِهَذا كانَتِ العاقِبَةُ لِلْمُؤمنينَ، بلْ قَال الله عَزَّ وَجلَّ مُشيرًا إِلَى الحِكْمَةِ مِنَ انْتِصارِهم:


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، رقم (٣٠٣٩).

<<  <   >  >>