للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالعلمُ بالأحكامِ الشَّرعيةِ يَتَفَاوَتُ بهذه الثَّلاثةِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يكونُ معه إيمانٌ صافٍ حتى يرى الحقَّ عَلَى ما هو علَيْه ويُفتح له بابُ الهِدايةِ، ومِنَ النَّاسِ مَنْ يكونُ في إيمانِه ضَعْفٌ فيُحْجَبُ عنه مِنَ الهِدايةِ بقَدْرِ ما نقص من إيمانه، فالإِيمَان له أثرٌ كبيرٌ حتى في العِلم، كما قال الشَّافعي رَحَمَهُ اللهُ (١):

شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ... فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المَعَاصِي

وَقَالَ اعْلَمْ بِأَنَّ العِلْمَ نُورٌ ... وَنُورُ الله لَا يُؤْتَاهُ عَاصِ

واللهُ عَزَّ وَجَلَّ يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩]، ولا فُرقانَ إلا بعلمٍ، فالنّاسُ يختلفونَ في هَذا اختلافًا عظيمًا بحسبِ ما معهم من الإِيمَان والتَّقوى.

كذلك أيضًا يختلفُ النَّاس في العلمِ، مثلًا رجلانِ أحدُهما يعرفُ كُتُبَ السُّنة - البُخاري ومُسلم وغيرها من كُتب السُّنة - والثاني لا يعرفُ شيئًا، فلا شك أن الأولَّ أَعْلَمُ.

والثَّالثُ الفَهْم، فإنَّ النَّاسَ يختلفونَ فيه اختلافًا عظيمًا؛ وَهذا قِيلَ لِعَليِّ بنِ أبي طَالِب - رضي الله عنه -: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: "مَا عَهِدَ إِلَيْنَا بِشَيْءٍ إِلَّا مَا في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، أَوْ فَهْمًا يُؤْتِيهِ الله تَعالَى في القُرْآنِ" (٢)، ولا شك أن النّاسَ يختلفونَ في الفهمِ، حتى إنَّ النَّصَّ الواحدَ تجدُ بعضَ النَّاسِ يَسْتَنْبِطُ منهُ عَشْرَ مَسَائِلَ، وآخَر لا يستنبطُ إلا مسألتينِ أو ثلاثة، وثالث يقول: أنَا أقرأُ لكم الحديثَ وعليكم الاسْتِنباط.


(١) ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (٤/ ٨٦).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم (١١١).

<<  <   >  >>