للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، بعدَ قوْلهِ تَعالَى: {وَاتَّقُوهُ} فإِنَّهُ لا شك أنَّ تَرْكَ الشِّرْكِ من التَّقوى، لكن هَذا يكون عطفَ خَاصٍّ عَلَى عامٍّ.

الفائِدَةُ السابعةُ: أنَّ أهلَ الشَّركِ من شأنِهم ودَأْبِهم وعادتِهم التَّفَرُّقُ في الدِّين؛ لقوْلِه تَعالَى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ}.

الفائِدَةُ الثَّامِنهُ: التَّنبيهُ عَلَى أنَّه لا ينبغِي للمؤمنينَ أنْ يَتَفَرُّقوا في دينِهم؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ}، والرَّسولُ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أخبرَ أنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتَتَّبعُ سَنَنَ مَنْ كان قبْلها، ومع ذَلِكَ فاتباعُ سَنَنِ مَنْ قبلها مُحرَّمٌ فَهَذَا أيضًا مثلُه، هَذا التَّفرق وإن كان موجودًا قَدَرًا لكِنَّهُ غيرُ محبوبٍ إِلَى الله شرعًا، وكانت هَذِهِ الأمةُ أكثرَ تفرقًا وإن كانت ليست أكثرَ تفرقًا في الواقعِ، لكن لما كانت ستتبعُ سَنَنَ مَنْ كان قبلها صارَ لا بُدَّ أنْ يكُونَ لها اثنتانِ وسبعونَ فِرقةً، يبقى من لم يتَّبع الفِرَقَ السَّابقةَ وهي واحدةٌ وهي الثَّالثة والسَّبعونَ، هَذا السَّبب في أن هَذِهِ الأمة ستفترقُ عَلَى ثلاثةٍ وسبعينَ فرقةً لأَنَّ اليَهُودَ واحدٌ وسَبْعُونَ، والنّصارى اثنتانِ وسبعونَ فرقةً، والرَّسول - صلى الله عليه وسلم - لما قالوا: اليَهُود والنّصارى؟ قَالَ: "فَمَنْ" (١)، فَهَذَا يدلُّ عَلَى أنهم هَؤُلاءِ.

ويحتملُ أنْ يكُونَ معنى (فَمَنْ) باعتبارِ الجِنْس، يعني: هَؤُلاءِ وغيرهم، لكن حديث: "افْتَرَقَتِ اليَهُودُ ... وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى" (٢)، يدلُّ عَلَى أنهم يُشْبِهُونَ هَؤُلاءِ.

والحاصلُ: أنَّ هَذِهِ الأمةَ ثلاثةٌ وسبعونَ فرقةً، منْهَا اثنتان وسبعون مُتَّبِعَةٌ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"، رقم (٧٣٢٠)، ومسلم: كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم (٢٦٦٩).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>