فالَّذي لا يعرفُ ربَّه إلا في الشَّدة لم يعبدْ ربَّه رغبةً، وَهَذا الَّذي تحدَّثَ الله عنه أخفُّ حالًا ممن إذا أصيبوا بالشِّدة دَعَوُا المخلوقَ، هَؤُلاءِ أقبحُ ممن تحدثَ الله عنهم.
وقوله:{مُخْلِصِينَ} حالٌ من فاعل {دَعَوُا}.
وعندنا إشكالٌ في {دَعَوُا اللَّهَ}، لماذا ضمَّ الواوَ مع أن الواو ساكنةٌ؟
قُلْنَا: لكن الكسر لا يناسب الواوَ، ويناسبها الضَّم، فعلى هَذا نقول: حُركت بالضَّم لالتقاءِ السَّاكنين، فالواو والياء إذا تحرَّكَا بالفتحة فإنها تظهر عليهما، لكن إن تحرَّكَا بالضَّم والكسرة فإنهما تقدران حيث يمنع من ظهورها الثِّقل.
لكن لا ثقل في قوله تعالى:{دَعَوُا اللَّهَ}، بل تُنطق بسهولة، والسَّبب أن هَذِهِ الضَّمة عارضة للتخلص من التقاءِ السَّاكنين، أما قوله تعالى:{دَعَوْا رَبَّهُمْ} فليس فيها إشكالٌ.
وقوْله تَعالَى:{دَعَوْا رَبَّهُمْ}: كلمةُ (رَب) بمعنى الخالِق المالِك المدبِّر، والرُّبُوبِيَّة تقتضي خَلْقًا، فالَّذي أوجد النَّاس هو الله، والمالكُ هو الله {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[المائدة: ١٢٠]، وهو مدبِّرٌ {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}[يونس: ٣]، هَذا هو الرَّب قَالَ:{دَعَوْا رَبَّهُمْ} لما وقعوا في الشِّدة عَرَفوا أنَّ الأمورَ بيدِه فَدَعَوْهُ.