للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجوابُ؛ لأنَّهَا أفادتْ، وبالخصوص نقولُ؛ لأنَّهَا وقعتْ بعد {إِذَا} الفجائية، فإذا جاءَ المبتدأُ بعد {إِذَا} الفجائية فلا بأسَ أنْ يكُونَ نكرةً.

وقوْله تَعالَى: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}، وقال هنا: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ} يعني وفريقٌ آخَرُ لا يشركُ، مع أنه في آيةٍ أخرى يقول: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: ٦٥]، وفي آية ثالثة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)} [لقمان: ٣٢]، فهل نقول: إن الآيات الَّتِي يقول الله فيها: {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} تُحمل عَلَى المُشْرِكِينَ، والآيات الَّتِي فيها {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} أو {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} تنزل عَلَى العُمُوم؟

والجواب: هَذا الإِشكالُ ما وَرَدَ عِنْدي إلَّا الآن لمَّا وصلنا آخرَ الآية وإِلَّا ففي الأول قرَّرنا أنَّها للمُشْرِكِينَ أو النَّاس من حيْثُ هم ناسٌ ولكن لما قَالَ: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} صَارَ عندي ترَدُّدٌ، هل الآيةُ عامة فنقول: إن المؤْمِنينَ إذا أُصيبوا بالضَّراء لا شك أنهم يلجؤونَ إِلَى الله أكثرَ كما هو مُشاهد؛ وَلهذا قال الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَرَّفْ إِلَى الله فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" (١)، فَهَذَا دليلٌ عَلَى أنَّ الإنسانَ في حال الرَّجاء قد يحصُل منه غفلةٌ عن الله عَز جلَّ وعَدَمُ تَعَرُّفٍ، لكن في حال الشِّدة يلجؤونَ إِلَى الله عَز جلَّ، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الخسوف: "إِنَّ الله يُخَوِّفُ بِهِما عِبادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ الله" (٢)، فالآية تحتاج إِلَى تأمُّلٍ.

والَّذي يبدو لي الآن أن الآيَاتِ الَّتِي يقولُ الله فيها: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} تكون خاصَّة بالمُشْرِكِينَ، أمَّا الآياتُ الَّتِي يقولُ الله فيها: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري: أبواب الكسوف، باب الذكر في الكسوف، رقم (١٠٥٩)، ومسلم: كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، رقم (٩١٢).

<<  <   >  >>