و {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} فإنها تصلحُ للعُمُوم؛ لأَنَّ الناس - حتى المؤْمنينَ - إذا أصابهم الضُّرُّ صار عندهم من الرُّجوع إِلَى الله عَز وجلَّ واللجوء إِلَيْهِ أكثر. فصلاةُ الاستقساءُ رجوع إِلَى الله وإنابةٌ أكثر، ومثلها صلاة الكُسوف، وحتى أنْتَ بنفسك إذا وقعتَ في شدةٍ تجد عندك من اللجوء إِلَى الله عَز وجلَّ والافتقار أكثرَ مما إذا كنت في رخاء.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدتانِ الأولى والثَّانية: أنَّ طبيعةَ الإنسان عند الضَّراء اللجوءُ إِلَى ربِّه لقوْلِه تَعالَى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}، ويتفرعُ عَلَى هَذا أنَّ أولئك الَّذِين إذا مسَّهم الضُّر لجؤوا إِلَى غير الله أنهم خالَفوا جميع فِطَرِ البشر لأنهُ يوجد ناس الآن إذا وقع في ضر ما دعا الله، بل يدعو الولي الَّذي يتبعه، أو الَّذي يراه وليًّا، وإذا وقع في الأمر الهين دعا الله فيجعلون الشَّدائد لمن لا يستطيع أن يدفع عنهم شيئًا أبدًا، بل ولا يستجيب له، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأحقاف: ٥]، بخلافِ النَّاس - حتى غير المسلمين - إذا وقعوا في شِدَّة لا يلجَؤُون إلا إِلَى الله عز وَجَلَّ.
الفائِدَةُ الثَّالثةُ: أنَّ أولئك الَّذِين يلجؤون إِلَى ربهم في الشَّدائد إذا زالت عنهم الشَّدائد وأصيبوا بالرَّحمة انقسموا إِلَى قِسْمَيْنِ:
* منهم مَنْ يشركُ ويبقى عَلَى شركه.
* ومنهم مَنْ يبقى عَلَى إيمانه إذا كان من المُؤْمِنِينَ.
الفائِدَةُ الرابعةُ: أنَّ أولئك المُشْرِكِينَ لا يتأنَّون في شركهم بعد أنْ ينجوا من الشِّدة، بل يستمرون علَيْه فورًا؛ لقوْلِه تَعالَى:{إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}؛ لأَنَّ {إذَا} فجائية.