وعندي أنه يحتملُ فِي الآية معنًى آخر يَكُون قوْله تَعالَى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} الرِّبا الشَّرعي، ويخاطب الله عز وجل المعطين للرِّبَا يعني أن الرِّبا الَّذي تعطونه غيركم وإن كَانَ يزيد فِي أموالهم فإِنَّهُ لا يَرْبُو عند الله بل إنَّه عَلَى العكس يحصلُ بِهِ المَحْقُ والسُّحْتُ للمال الطَّيب، فلا خيرَ فِيهِ ويؤيد ذَلِك قوْله تَعالَى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} فَفَرَّقَ بَيْنَ المُرابي وبين المتصَدِّقِ، كما أن الله عز وجلَّ يقرن بَيْنَهُما فِي بعض الآيات مثل مَا ذكر فِي سورة البقرة ذكر الله الإنفاق وذكر بعده الرِّبا، وَكَذلِكَ أيضًا فِي سورة آل عمران {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٠ - ١٣٣]، وذكرَ من جملةِ أوصافهم أنهم يُنفِقونَ فِي السَّرَّاءِ والضَّراء، ولكنْ هَذَا الاحتمالُ حتى الآن مَا رأيتُ أحدًا قَالَ بِهِ، وَإنَّمَا يقُولونَ بالمَعْنَى الأول وَهُوَ أن يُعطي الإنسان شَيْئًا هِبَةً أو هديةً ليُعطَى أكثرَ فإنَّ هَذَا وإن زاد فِي أموال المعطين فليس فِيهِ زيادة عند الله لأنَّهُ خُلُقٌ مذمومٌ.
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُونَ فيما لو أهدينا إِلَى شخصٍ معروف بالمكافأة وأنا مَا قصدت فهل يجوز أم لا؟
قُلْنَا: مَا دام أنَّك مَا قصدتَ فإِنَّهُ لا يضرُّ.
وهل الإهداءُ للأمراء والملوك والوزراء وما أشبههم يدخل فِي هَذَا النّهي؟
غالِب الَّذِين يُهدون خصوصًا عَلَى الملوك والكبار من الأمراء إنما يريدون الزّيادة، يريدون أكثر؛ وَلهذا إِذَا عُرِفَ الإنسانُ بِأنَّهُ لا يعطي إِلَّا مثل القيمة أو دونها لا يُعطَى هدايا، فلا يعطى هدايا إِلَّا من عُرِفَ أنه يبذل أكثرَ ويردُّ أكثرَ.