الفائِدَةُ الثَّالثةُ: إثْبَات أن مَا اكتسبه الإنسان فَهُوَ من الله لأَنَّ هذه الأربعة فِيهَا ثلاثة لا أحد يُماري فِيهَا وَهِيَ الخلق والإماتة والإحياء لكن الرّزق قد يماري فِيهِ ممارٍ، فَقَارُونُ قَالَ:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}[القصص: ٧٨]، فقد فُسِّر:(عَلَى علم مني بوجوه المكاسب)، والمَعْنَى أني أنا ماهر فِي معرفة المكاسب وحصلت هَذَا المال، ولكننا نقول هَذَا التّحصيل الَّذي حصلته بمهارتك إنما جاءك من الله عز وجل؛ لأَنَّ هَذَا الَّذي حَصَل لك بسببٍ وخالِقُ الأسباب هُوَ الله.
الفائِدَةُ الرابعةُ والخامسة: أنه ينبغي لنا استجلاب الرّزق من ربنا وحده لقوْلِه تَعالَى: {ثُمَّ رَزَقَكُمْ}، وَإِذَا كَانَ الأمر كَذَلِكَ فإِنَّهُ يترتب عَلَى هَذَا فائدة أُخْرَى وَهِيَ أن لا نطلب رزقه بمعاصيه، وجهه: إِذَا كنت تطلب الرّزق من الله هل من اللائق عقلًا أنْ تُقَدِّمَ لَهُ معصيةً ليرزقك، الَّذي يستدر الرّزق من غيره يُقَدِّمُ طاعته والخضوع لَهُ، وَلهذا قَالَ الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢، ٣].
إِذَنْ: مَنِ استجلبَ رزق الله بمعاصيه فقد خالَف الحكمة والصّواب. فهَؤُلاءِ الَّذِين يطلبون الرّزق بالرّبا ويطلبون الرّزق بالغش ويطلبونه بالكذب وغير ذَلِك من الوسائل المحرمة هم فِي الحقيقة أشبه مَا يَكُونُونَ بالمستهزئين بالله عز وجلَّ السّاخرين بِهِ كأنهم يقُولونَ يا ربنا إننا نعصيك لترزقنا! وَهَذا من أعظم مَا يَكُون؛ وَلهذا جعل الله الَّذِين يطلبون زيادة المال بالرّبا جعلهم محاربين لَهُ، كما فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٨، ٢٧٩]، والرّبا كما قَالَ شيخ الإسْلام رَحَمَهُ الله:"ما ورد فِي ذنب من الذّنوب دون الشّرك أعظم مما ورد فِي الرّبا"، الَّذي أصبح عند