للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنَقُول: عبَّر عن العقوبة بالفعل فِي قوْله تَعالَى: {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} لوجهين:

الوَجْهُ الأوَّلُ: بَيان سبب هَذِهِ العقوبة وأن سبب العقوبة هَذَا العمل.

الوَجْهُ الثَّاني: أن هَذِهِ العقوبة بقدر العمل تمامًا ولذلك عُبِّرَ عنها بالعمل إشارة إِلَى أنَّها بَقَدْرِه لَيْسَ فِيهَا ظلم، وَهَذا كثير فِي القرآن، يعبر الله تَعالَى عن العقوبة بالفعل من أجل هذين الوجهين.

وقوْله تَعالَى: {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} يعني لا كله لأَنَّ الله يقول: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥]، وقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠] وَهَذا حق لو أن الله تَعالَى عاقب النَّاس بقدر ذنوبهم مَا ترك عَلَيْهَا من دابة، كَانَ كل النَّاس يموتون ولا يبقون ولَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصيبهم ببعض ذنوبهم فقط. الحكمة قَالَ: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}؛ قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: أيتوبون، (ولعل) هُنَا للتعليل، وكلما جاءت (لعل) فِي كلام الله فإنها للتعليل أو توقع الشّيء إِذَا كَانَ من المتوقع أي لأجل أن يرجعوا إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وهذه من حِكم الله، أن الله تَعالَى يبتلي العباد بالضّراء لأجل أن يرجعوا إِلَى الله، وكم من إِنْسَان صارت عقوبته بالضّراء سببًا لرجوعه إِلَى ربه، بل إنَّها أحيانًا تكون سببًا مباشرًا {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} [لقمان: ٣٢]، أين يذهبون؟ {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: ٣٢] هَذَا رجوع لكنهم - والعياذُ باللهِ - إِذَا نجوا عادوا إِلَى كفرهم.

من فوائد الآية الكريمة:

الفائِدَةُ الأولَى: أن الفسادَ سببه أعمال بني آدم لقوْلِه تَعالَى: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي

<<  <   >  >>