الاحْتِمال الثّالث: أن يُقَال العاقبة حميدة وذميمة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول:{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} ونحن نعلم أن من حكمة الله غَزَّ وَجَلَّ أن يجازي المشركَ عَلَى شركه والمُؤْمِنَ عَلَى إيمانه، وحِينَئِذٍ يَكُون فِي الآية ترغيب فِي الإيمان والتّوحيد وترهيب عن الشّرك والكفر، فأي الاحْتِمالات أولى؛ الظّاهر أن الأخير أولى يعني أن ينظروا كَيْفَ كانت عاقبة السّابقين، وأن من كَانَ مشركًا منهم أُخذ بشركه، ومَنْ كَانَ مؤمئا نُجِّيَ بإيمانه من أجل أن يؤمنوا هم ومن أجل أن يثبت المُؤْمِنُونَ من هَذِهِ الأمة عَلَى إيمانهم.
وقول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ:[فَأُهْلِكُوا بِإِشْرَاكِهِمْ وَمَسَاكِنُهُمْ وَمَنَازِلهمْ خَاوَيةٌ] هَذَا هُوَ الواقعُ فمثلًا قوم صالح، صالح والَّذِين معه نجوا، وقومهم أخذتهم الرَّجْفَةُ والصَّيْحَةُ {فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: ٧٨}، {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}[النمل: ٥٢]، تجدها الآن خاوية ولم تُسكن فيما نعلم بعدهم، مَا سُكنت إِلَى الآن.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائِدَةُ الأولَى: الأمر بالاعْتِبار بما جرى للسابقين لقوْلِه تَعالَى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.
الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: أنَّه ينبغي لِلإنْسَانِ أنْ يقرأَ كُتُبَ التّاريخ الماضية للاعتبار، ولكن كما نعلم جميعًا كتب التّاريخ بعضها مزيف لَيْسَ عَلَى حقيقته فمصدر التّاريخ فِي الأمم السّابقة مَا أخبر الله بِهِ ورسوله، قَالَ الله تَعالَى فِي سورة إبراهيم:{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ}[التوبة: ٧٠]، {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}[إبراهيم: ٩] فنفى أنْ يكُونَ لأحدٍ علمٌ بِهِ إِلَّا الله.