تقدم أن الله تَعالَى يعبر عن الإصَابَة بالإِذَاقَة لأنَّهَا أعلى أنواع الإصَابَة وأبلغها {وَلِيُذِيقَكُمْ} بِهَا {مِنْ رَحْمَتِهِ}.
يقول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ:[المطر والخصب] ففسر الرّحمة بأثرها، وَعَلَى هَذَا فلا تكون الرّحمة مخلوقة وليست صفة من صفات الله، وَهَذا الَّذي فسرها بِهِ محتمل لأَنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يطلق الرّحمة عَلَى الشّيء المخلوق الَّذي يَكُون من آثار رحمته كما ثبت فِي الحديث الصّحيح أن الله قَالَ للجنة:"أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ"(١)، ومن المعلوم أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى لم يُرِدْ أنَّها رحمته الَّتِي هِيَ صفته؛ لأَنَّ الجنَّةَ مخلوق بائن دائم ولكن أراد أنَّها من أثر رحمته أو مقتضى رحمته، فهنا يصح أن نقول:{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي من هَذَا المطر والخصب وتكون الرّحمة هُنَا مخلوقة من المخلوقات.
وإن جعلناها الصّفة فهي للابتداء يعني ليذيقكم نعمة صادرة من هَذِهِ الرّحمة.
قوْله تَعالَى:{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} يقول رَحَمَهُ اللَّهُ: [السُّفُنُ بها] الضّمير يعود عَلَى الرّياح، فالله تَعالَى يرسل الرّياح لتسير بِهَا المياه فِي أجواء السّماء وَهُوَ السّحاب ويرسل الرّياح لتسير بِهَا السّفن فِي البحار، وكُلٌّ من السّحاب ومن السّفن يحمل نعمًا كثيرة، السّفن تحمل الأرزاقَ والأَنَاسِيَّ والحيوانَ وغيرَها، والسُّحب تحمل الماء الَّذي هُوَ مادة الحياة، {الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة: ٦٨، ٦٩][الواقعة: ٦٨ - ٦٩] ففي الرّياح إِذَنْ فائدتان:
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (٢٨٤٦).