قوْله تَعالَى:{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: أبإرادته، والصّحيح {بِأَمْرِهِ} من الأمر الَّذي هُوَ بالقول وليس المُرَاد بالإرادة فقط لأَنَ الفلك مَا تَعْلَمُ عما يريد الله عَزَّ وَجَلَّ لكنها إنما تأتمر بأمره القولي وقد قَالَ الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢] فكلُّ مرادِ الله إن لم يقترن بالقول فإِنَّهُ لا يقع، وكيف تحدث الكائنات بمجرد إرادةُ لا يعلم بِهَا إِلَّا الله؟ فلا بد من قول، فالصّواب أن المُرَاد بأمره: أمره القولي لقوْلِه تَعالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢] ولا يمنعُ ذَلِك أنْ يكُونَ هَذَا الجريانُ بأمره بأسباب محسوسة معلومة لنا؛ لأَنَّ المُقَدِّرَ للأسباب هُوَ الله عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخلق ويُسَخِّرُ ولكن بأسباب.
قوْله تَعالَى:{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} كل هَذَا مما خلقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهذه الحِكَمِ العظيمة.
قال المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [{وَلِتَبْتَغُوا} تطلبوا {مِن فَضْلِهِ} الرِّزق بالتِّجارة فِي البحر، وَهُوَ كَذَلِكَ، وكم من أناس كانت تجارتهم فِي البحار ينقلون الأرزاق من جهة إِلَى جهة بواسطة هَذِهِ السّفن، لولا هَذِهِ السّفن لكان من المتعذر أن تنتقل الأرزاق من الجهة الَّتِي خلف البحر إِلَى الجهة الأُخْرَى، ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ جعل هَذِهِ السّفن لأجل أن تنقل هَذِهِ الأرزاق والنّعم.
قوْله تَعالَى:{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: (لعل) هَذِهِ معناها التّعليل، تشكرون؛ الشّكر هُوَ القيام بطاعة المنعم ويكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، فأما الشّكر بالقلب فإن يؤمن الإنسان بأن هَذِهِ النّعمة من الله عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذي أمده بِهَا وَهُوَ الَّذي يسرها