للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أن ليس النظْمُ إلا أن تَضعَ كلامَك الوَضْعَ الذي يَقْتضيهِ علمُ النحْو، وتَعْملَ على قوانينه وأُصوله، وتَعْرفَ مناهجَه التي نُهجَتْ، فلا تَزيغَ عنها، وتَحفظَ الرسومَ التي رُسمِيتْ لك فلا تُخِلَّ بشيءٍ منها؛ وذلك أنَّا لا نَعلم شيئاً يبتغيهِ الناظمُ بنَظْمه، غيرَ أنَ ينظرَ في وُجوهِ كل بابٍ وفُروقهِ، فينظرَ في الخبر، إلى الوجوه التي تَراها في قولك: "زيدٌ منطلقٌ" و "زيدٌ يَنطلِقُ" و "ينطلِقُ زيد" و "منطلِقٌ زيد" و "زيد المُنطلِقُ" و "المنطلِقُ زيدٌ" و "زيدٌ هو المطلِقُ" و "زيدٌ هو منطلِقٌ"؛ وفي الشرط والجزاء، إلى الوجوه التي تَراها في قولك: "إنْ تَخْرُجْ أَخرجْ" و "إنْ خرجْتَ خرجْتُ" و "إن تخرجْ فأنا خارجٌ"، و "أنا خارجٌ إن خرجتَ" و "أنا إنْ خرجْتَ خارجٌ". وفي الحال إلى الوجوه التي تراها في قولك: "جاءَني زيدٌ مُسْرعاً" و "جاءني يُسرعُ" و "جاءني وهو مُسْرعٌ أوْ هو يُسرع" و "جاءني قد أَسرَع" و "جاءني وقد أَسْرعَ"؛ فيَعرفُ لكلِّ من ذلك موضِعَه، ويجيءُ به حيث ينبغي له. وينظرَ في الحروف التي تَشْتركُ في معنىً، ثم يَنفردُ كلُّ واحدٍ منها بخصوصيةٍ في ذلك المعنى، فيضع كلاًّ من ذلك في خاصِّ معناه، نحْوَ أن يجيء بـ "ما" في نَفْي الحال، وبـ "لا" إذا أراد نَفْي الاستقبالِ، وبـ "إنْ" فيما يترجَّحُ بين أن يكونَ وأنْ لا يكون، وبـ "إذا" فيما علم أنه كائن. وينظرَ في الجمل التي تُسْرَدُ فيعرفَ موْضعَ الفصلِ فيها من موضع الوَصْل، ثم يعرفَ فيما حقُّه الوصْلُ، موضعَ "الواو" من موْضعِ "الفاء"، وموضعَ "الفاء" من موضعِ "ثُمَّ"، وموضعَ "أو" من موضع "أم"، وموضَعَ "لكن" من موضع "بل". ويتصرَّفَ في التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير في الكلام كلِّه، وفي الحذْف والتكرار، والإضمار والإظهار، فيضعَ كلاَّ من ذلك مكانَه، ويستعملَه على الصِّحة وعَلَى ما ينبغي له.

بيان مزية النظم في مراعاة النحو

<<  <   >  >>