وغلَطُ الناسِ في هذا الباب كثيرٌ، فمِنْ ذلك أَنك تَجدُ كثيراً ممَّن يتكلَّمُ في شأن البلاغة، إذا ذكَر أنَّ للعربِ الفضلَ والمزيةَ في حسْنِ النظم والتأليف، وأنَّ لها في ذلك شأْواً لا يبلُغُه الدخلاءُ في كلامهم والمولَّدونَ، جعَلَ يُعلِّل ذلك بأن يقول: لا غرْوَ، فإنَّ اللغة لها بالطبع، ولنا بالتكلف؛ ولن يبلُغَ الدخيلُ في اللغاتِ والألسنةِ مبْلَغَ مَنْ نشأَ عليها، وبُدئ مِن أول خَلْقهِ بها، وأشباهِ هذا مما يُوهِمُ أنَّ المزية أَتتْها من جانب العِلْم باللغة؛ وهو خَطأٌ عظيمٌ وغلَطٌ منْكَرٌ يُفْضِي بقائله إلى رفْع الإعجازِ مِنْ حيثُ لا يَعْلَم. وذلك أنه لا يَثْبتُ إعجازٌ حتى تَثْبُتَ مزايا تَفُوقُ علومَ البشرِ وتَقْصُرُ قِوى نَظَرِهم عنها، ومعلوماتٌ ليس في مُنَنِ أفكارهم وخَواطرهم أَنْ تُفضَي بهم إليها، وأنْ تُطْلِعهَم عليها؛ وذلك محالٌ فيما كان علْماً باللغة؛ لأنه يؤدي إلى أن يحدُثَ في دلائل اللغة ما لم يتواضَعْ عليه أهلُ اللغةِ، وذلك ما لا يَخْفى امتناعُه على عاقلٍ.