قال الشيخ أبو علي في الشيرازيَّات: يقولُ ناسٌ من النحويين في نحْو قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأعراف: ٣٣]، إنَّ المعنى: ما حَرَّمَ ربِّي إلاَّ الفواحش. (قال): وأصبتُ ما يدلُّ على صحة قولهم في هذا وهو قولُ الفرزدق [من الطويل]:
أنا الذائدُ الحامي الذِّمارَ وإنَّما ... يُدافِعُ عن أحسابِهِم أنا أوْ مِثْلِي
فليس يَخْلو هذا الكلامُ مِنْ أن يكونَ موجِباً أو مَنْفيّاً. فلو كان المرادُ به الإيجاب لم يَسْتقمْ. ألاَ ترى أنَّك لا تقول:(يُدافعُ أنا ولا يُقاتلُ أنا)، وإنما تقول:(أدافعُ وأُقاتل) إلاَّ أنَّ المعنى لمَّا كان: ما يُدافِعُ إلا أنا، فصَلْتَ الضميرَ كما تفصله مع النَّفي إذا ألحقتَ معه "إلاَّ" حَمْلاً على المعنى. وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم}[البقرة: ١٧٣]: النصْبُ في "الميتة" هو القراءةُ. ويجوزُ:(إنما حُرِّمَ عليكم). قال أبو إسحاق: والذي اختارُه أن تكونَ (ما) هي التي تمنعُ "إنَّ" مِنَ العمل، ويكونُ المعنى:"ما حُرِّمَ عليكُم إلاَّ الميتةُ" لأنَّ (إنما) تأتي إثباتاً لما يُذْكَرُ بعدها ونَفْياً لِمَا سواه، وقول الشاعر:
وإنما يُدافع عن أحسابهم أنا أوْ مِثلي
المعنى: ما يُدافِع عن أحسابهم، إلا أنا أو مثلي. انتهى كلام أبي عليّ.