[عبد القاهر الجرجاني في سيرته الذاتية والعلمية]
هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، نسبة إلى جرجان، المدينة الفارسية العريقة التي تقع بين طبرستان وخراسان. ينتسب إليها عدد وافر من رجال العلم والأدب والفقه والحديث، عدَّ منهم عمر رضا كحالة خمسة وثلاثين، منهم الفقيه والقاضي والشاعر المحدِّث والمؤرخ .. وتمتاز هذه المدينة بشدة بردها وحرِّها، لكن أهلها موصوفون بالوقار والمروءة واليسار والتأني والأخلاق المحمودة. وصفها ياقوت فقال:
هي مدينة حسنة على واد عظيم في ثغور بلدان السهل والجبل والبر والبحر، بها الزيتون والنخل والجوز والرمان وقصب السكر و "الأترجُّ".
ومع ذلك فقد ذمَّها الصاحب ابن عبَّاد قائلاً:
نحنُ والله من هوائكِ ياجر ... جانُ في خطةٍ وكَرْبٍ شديد
حَرُّها يُنضِجُ الجلودَ فإن هبَّـ ... ـتْ شمالاً تكَّدرتْ برُكودِ
كحبيب منافقٍ كلَّما هـ ... ـمَّ بوصْلٍ أحالَهُ بالصدودِ
لم يذكر المؤرخون شيئاً عن طفولته وأسرته ونشأته، وكثير من أمور حياته، حتى نَسبُهُ توقَّف لديهم، عند جدِّه (محمد). ولم يتوغلوا قيد أنملة فوق ذلك ضاربين صفحاً عن كل ما يمت إلى علَم مثله، من إحاطةٍ ببيئته وأسرته، وتعلُّمه وتنقله، وأساتذته وتلاميذه، وشؤونٍ كثيرة تتعلق به من قريب أو بعيد. ويتلخص ما جاء في مصادر ترجمته أنه: أشعري، شافعي، نحوي، بيانيٌّ متكلِّمٌ فقيه، مفسِّر، شاعر وزاد بعضُهم: "كان .. ذا نُسُكٍ ودين، قال السِّلفي: (أحمد بن محمد السِّلفي، الحافظ المحدّث المتوفى سنة ٥٧٦ هـ/ ١١٨٠م) كان ورعاً قانعاً. دخل عليه لصٌّ وهو يُصلِّي، فأخذ ما وجد، وهو ينظرُ، وهو في الصلاة فما قطعها، وكان آيةً في النحو".
ويعدُ كتاب "دمية القصر وعصْرة أهل العصر" لأبي الحسن علي بن الحسن الباخزري المتوفي سنة ٤٦٧ هـ أقرب ما يكون لعصره وحياته وبيئته .. ومع ذلك لم يزد في ترجمته له على خمس صفحاتٍ، عدد السطور التي خصَّه فيها بتعريف وتكريم: تسعة سطور، والباقي منتخبات من شعره الذي لا يزال مخطوطاًً ..
ومما جاء فيه:
"اتَّفقتْ على إمامته الألسنةُ، وتجمَّلتْ بمكانه وزمانه الأمكنة والأزمنة، وأثنى عليه طيبُ العناصر، وثُنيتْ به عقودُ الخناصر، فهو فرْدٌ في علمه الغزير، لا بل هو العلَمُ والفردُ في الأئمة المشاهير".
هذا جلٌّ ما جاء في مصادر ترجمته، ومعظمها يقتفي أثر الآخر، ولا تكاد تحظى بكلمة واحدة تضيء ظلمة حياته الغابرة.
وأما عن تاريخ مولده، فهو مستنتج استنتاجاً ولم يعيِّنْه أحد إلاَّ على سبيل الترجيح، لكنهم اتفقوا أن وفاته كانت سنة ٤٧١ هـ / ١٠٧٨م وقيل سنة ٤٧٤ هـ. ورُجِّح أن يكون مولده سنة ٤٠٠ هـ / ١٠١٠م.