وهذا فنٌّ من الاستدْلال لطيفٌ، على بُطْلانِ أنْ تكونَ الفصاحةُ صفةً لِلَّفظِ من حيثُ هو لفظٌ: لا تخلو الفصاحةُ من أنْ تَكون صفةً في اللفظ محسوسةً تُدركُ بالسمعِ، أو تكونَ صفةً فيه معقولةً تُعرَفُ بالقلبِ، فمحالٌ أن تكون صفةً في اللَّفظِ محسوسةً، لأنها لو كانت كذلكَ، لكان يَنبغي أن يستويَ السامعونَ لِلَّفظِ الفصيحِ في العلم بِكَوْنِه فَصيحاً؛ وإذا بَطل أنْ تكونَ محسوسةً، وجَبَ الحُكْمُ ضرورةً بأنها صفةٌ معقولةٌ، وإذا وجَبَ الحكْمُ بكَوْنها صفةً معقولةً. فإنَّا لا نَعرِفُ لِلَّفْظِ صفةً يكونُ طريقُ معرفَتِها العقلَ دون الحسِّ، إلاَّ دلالَتُه على معناه؛ وإذا كان كذلك، لَزِمَ منه العِلْمُ بأنَّ وصْفَنا اللَّفظ بالفصاحةِ وَصْفٌ له مِن جهة معناه لا من جهة نفسه. وهذا ما لا يَبْقى لِعاقلٍ معه عُذْرٌ في الشَّكِّ. واللهُ الموفِّقُ لِلصَّواب!