للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[باب على التفاضل بين النظم]

فصل: معنى الخبر غير معنى جزئيّة المخبر به والمخبَر عنه

وإذا ثبَتَ أنَّ الجملةَ إذا بُنيَ عليها، حصَلَ منها ومِن الذي بُنِيَ عليها في الكثير، معنىً يَجب فيه أن يُنْسَب إلى واحدٍ مخصوصٍ، فإنَّ ذلك يقتضي لا محالَة، أن يكونَ الخبرُ في نفسه معنىً هو غيرُ المخبَر به والمخبَر عنه. ذاك لِعِلْمنا وباستحالة أنْ يكونَ لِلمعنى المخبَر به نسبةٌ إلى المخبِر، وأن يكون المستنبَط والمستخرَجَ والمستعانَ على تصويره بالفِكْر. فليس يَشُكُّ عاقلٌ أنه مُحالٌ أن يكونُ لِلْحَمْل في قوله.

وما حمَلتْ أمُّ امرىءٍ في ضلوعها

نسبةٌ إلى الفرزدق، وأن يكونَ الفكْرُ منه كان فيه نفْسَه، وأن يكونَ معناهُ الذي قيل إنَّه استَنْبَطه واستخْرَجه وغاصَ عليه. وهكذا السبيلُ أبداً، لا يُتصوَّر أن يكونَ للمعنى المخبَر بهِ نسبةٌ إلى الشاعر، أن يَبلُغَ من أمره أن يَصير خاصاً به، فاعرفْه!

ومن الدليل القاطع فيه ما بيَّنَّاهُ في الكناية والاستعارة والتمثيل، وشرحناه من أَنْ من شأن هذه الأجناسِ أنْ تُجِب الحسْنَ والمزيَّةَ، وأنَّ المعاني تُتصوَّرُ مِنْ أجْلها بالصوَرِ المختلفة، وأن العلم بإيجابها ذلك، ثابتٌ في العقولِ، ومركوزٌ في غَرائز النفوس؛ وبيَّنَّا كذلك أنه محالٌ أن تكونَ المزايا التي تَحدُثُ بها حادثة، في المعنى المْخبَرِ به المثْبَت أو المَنْفيِّ، لِعلْمنا باستحالة أَنْ تكونَ المزيةُ التي تَجدُها لقولنا: (هو طيل النجاد)، على قولنا: (طويل القامة): في الطول، والتي تَجدها لقولنا: (هو كثيرُ رماد القدر) على قولنا: (هو كثير القِرى والضيافة): في كَثْرةِ القِرى. وإذا كان ذلك مُحالاً، ثبَتَ أنَّ المزيةَ والحسْنَ يكونان في إثبات ما يُراد أن يُوصفَ به المذكورُ، والإخبارِ به عنه. وإذا ثبَت ذلك، ثبَتَ أنَّ الإثبات معنىً لأنَّ حصولَ المزيةِ والحُسْن فيما ليس بمعنى، محالٌ.

<<  <   >  >>