[فصل: فصل من باب اللفظ والنظم في إضافة القول إلى قائله]
إعْلَمْ أنَّا إذا أضفْنَا الشعرَ أو غيرَ الشعرِ، من ضروب الكلام، إلى قائلِهِ لم تكنْ إضافتُنا له من حيثُ هو كَلِمٌ وأوضاعُ لغةٍ، ولكنْ من حيثُ تُوُخِّيَ فيها النظمُ الذي بيَّنا أنه عبارةٌ عن تَوخِّي معاني النحوِ في معاني الكلِم؛ وذاك أنَّ مِنْ شأنِ الإضافةِ الاختصاصَ. فهي تتناول الشيءَ من الجهةِ التي تُختصُّ منها بالمضافِ إليه. فإذا قلتَ:(غلامُ زيدٍ). تناولتِ الإضافةُ الغلامَ من الجهة التي يُختصُّ منها بزيدٍ، وهو كونُه مملوكاً. وإذا كان الأمرُ كذلك، فينبغي لنا أن نَنْظرَ في الجهة التي يختصُّ منها الشعرُ بقائلهِ، وإذا نَظَرْنا، وجَدْناه يختصُّ به من جهة تَوخِّيه في معاني الكَلمِ التي ألَّفه منها ما توخَّاه من معاني النحو، ورأيْنا أنفُسَ الكلمِ بمعزَلٍ عن الاختصاص، ورأيْنا حالَها معه حالَ الإبريسَم مع الذي يَنسِجُ منه الديَباجَ، وحال الفضةِ والذهب معَ مَنْ يصوغُ منهما الحُليَّ. فكما لا يشْتبِهُ الأمرُ في أنَّ الديباجَ لا يُخْتَصُّ بناسجهِ من حيثُ الإبريسم، والحليَّ بصائِغها من حيثُ الفضةُ والذهبُ، ولكنْ من جهة العمَل والصَّنْعة، كذلك يَنْبغي أنْ لا يَشْتَبِهَ أنَّ الشعرَ لا يُختصُّ بقائله من جهةِ أنْفسِ الكَلِم وأوضاع اللغة. ويزدادُ تبيُّناً لذلك بأن يُنظر في القائل إذا أضفْتَه إلى الشعر فقلت: امرؤُ القيس قائلُ هذا الشعر. مِنْ أينَ جعلْتَه قائلاً له؟ أمِنْ حيثُ نَطَق بالكَلِم، وسمعْتَ ألفاظَها مِن فيهِ، أمْ من حيثُ صنَعَ في معانيها ما صنَعَ، وتوخَّى فيها ما توخَّى؟ فإنْ زعمتَ أنكَ جعلْتَه قائلاً له من حيثُ إنه نَطَقَ بالكَلِم وسمعْتَ ألفاظَها مِنْ فيهِ على النسق المخصوص، فاجعلْ راويَ الشعرِ قائلاً له فإنه يَنطِقُ بها ويُخْرِجُها مِنْ فيه على الهيئة والصورة التي نطقَ بها الشاعرُ؛ وذلك ما لا سبيلَ لك إليه. فإن قلتَ: إنَّ الراويَ وإنْ كان قد نطقَ بألفاظِ الشعرِ، على الهيئةِ والصورةِ التي نطق بها الشاعرُ فإنَّه هو لم يبتدئْ فيها النَّسَقَ والترتيبَ، وإنما ذلك شيءٌ ابتدأَهُ الشاعرُ.