للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدلُّ دلالةً واضحةً على اختلاف المعنى - إذا جئتَ بمعرفتَيْن ثم جعلتَ هذا مبتدأً وذاك خبراً تارةً، وتارةً العكس - قولُهم: (الحبيبُ أنتَ وأنتَ الحبيبُ). وذاك أن معنى "الحبيبُ أنتَ" أنه لا فصْل بينك وبين مَنْ تُحبُّه إذا صدَقَت المحبةُ، وأنَّ مثَل المتحابَّيْنِ مثَلُ نفْسٍ يقتسمها شخصان، كما جاء عن بعض الحكماءِ أنه قال: (الحبيبُ أنتَ إلا أنه غيرُكَ). فهذا كما ترى فَرْقٌ لطيف ونكتةٌ شريفةٌ. ولو حاولتَ أن تُفيدها بقولك: (أنت الحبيب): حاولتَ ما لا يَصِحُّ، لأن الذي يُعْقَل من قولك: أنتَ الحبيب، هو ما عناه المتنبي في قوله [من البسيط]:

أنتَ الحبيبُ ولكنِّي أعوذُ به ... مِنْ أنْ اكونَ مُحِبّاً غيرَ مَحْبوبِ

ولا يَخفى بُعْدُ ما بين الغرضَيْن. فالمعنى في قولك: "أنتَ الحبيبُ" أنَّكَ الذي أخْتَصُّه بالمحبة من بين الناس. وإذا كان كذلك، عرفتَ أنَّ الفرْقَ واجبٌ أبداً، وأنه لا يجوز أن يَكون "أخوك زيدٌ" و "زيدٌ أخوك" بمعنى واحدٍ.

*وههنا شيءٌ يجب النظرُ فيه، وهو أنَّ قولك: (أنتَ الحبيبُ): كقولنا: (أنتَ الشجاعُ) تُريد أنه الذي كملتْ فيه الشجاعةُ. أو كقولنا: (زيدٌ المنطلقُ)، تريد أنه الذي كان منه الانطلاق الذي سمِعَ المخاطَبُ به. وإذا نظرْنا وجدناه لا يَحْتمِل أن يكون كقولنا: أنتَ الشجاع، لأنه يقتضي أن يكون المعنى أنَّه لا مَحبَّة في الدنيا إلا ما هو بهِ حبيبٌ، كما أنَّ المعنى في "هو الشجاعُ" أنه لا شجاعة في الدنيا إلاَّ ما تَجِِدُه عنده، وما هو شجاع به. وذلك مُحال.

<<  <   >  >>