فإنْ قلتَ: قد عَلِمْنا أنَّ علَّة دخولِ (الواو) على الجملة أن تَسْتأنِفَ الإثباتَ ولا تَصلَ المعنى الثاني بالأول في إثباتٍ واحدٍ، ولا تُنَزِّلَ الجملةَ منزلةَ المفردِ. ولكنْ بقي أن تعلَمَ لِمَ كان بعضُ الجمل، بأنْ يكون تَقديرُها تقديرَ المفرد في أن لا يُستأْنَفَ بها الإثبات، أوْلى مِنْ بعض؟ وما الذي منَعَ في قولكَ:(جاءني زيدٌ وهو يسرع أو وهو مسرع)، أن يَدخُلَ الإسراعُ في صلةِ المجيء ويُضَامَّه في الإثبات، كما كان ذلك حين قلتَ:(جاءني زيد يُسرع)؟ فالجوابُ أن السببَ في ذلك أَنَّ المعنى في قولك:(جاءني زيدٌ وهو يُسرعُ) على استئناف إثباتٍ للسرعة ولم يكن ذلك في "جاءني زيد يسرع"، وذلك أنكَ إذا أَعدْتَ ذكْر زَيدٍ، فجئْتَ بضميرِه المنفصل المرفوع، كان بمنزلة أنْ تُعيدَ اسْمَه صريحاً فتقول "جاءني زيدٌ وزَيدٌ يسرع" في أنك لا تَجد سبيلاً إلى أن تُدخِلَ "يسرعُ في صلة المَجيء وتَضُمَّه إليه في الإثبات، وذلك أن إعادتك ذكْرَ زيدٍ لا يكون، حتى تَقْصدَ استئنافَ الخبر عنه، بأنه يُسرعُ، وحتى تَبتدئَ إثباتاً للسرعة، لأنك إن لم تفعل ذلك تركْتَ المبتدأ الذي هو ضميرُ زيدٍ أو اسْمُه الظاهرُ بمَضِيعةٍ وجعَلْتَه لَغُواً في البَيْن، وجرى مجْرى أن تقول:(جاءني زيدٌ وعمرو يُسرع أمامه) ثم تزعُمُ أنك لم تستأنِفْ كلاماً ولم تبتدئ للسرعة إثباتاً وأنَّ حالَ "يُسْرعُ" ههنا حالُه إذا قلتَ: (جاءني زيد يسرع). فجعلْتَ السرعة له ولم تذكُرْ عَمراً، وذلك مُحال.