وههنا شيءٌ آخرُ دقيق، وهو أنَّك إذا نظرْتَ إلى قوله:(فكان مسير عيسهم ذميلا)، وجدْتَه لم يُعْطَف هو وحدَه على ما عُطِفَ عليه، ولكن تجدُ العطْفَ قد تناولَ جملة البيتِ مربوطاً آخرُه بأَوَّلِهِ. ألا تَرى أن الغرضَ من هذا الكلام، أن يَجْعل تولِّيهم بغتةً، وعلى الوجه الذي توهَّم من أجله أنَّ البينَ تهيَّبه مُسْتدعياً بكاءه وموجباً أنْ يَنْهملَ دمعُه؛ فلم يَعْنهِ أنْ يَذكُرَ ذَمَلانَ العيسِ إلا ليذكر هَمَلانَ الدمعِ، وأن يوفِّق بينهما. وكذلك الحكْمُ في الأول. فنحن وإن كنَّا قلْنا: إنَّ العطْفَ على "تولوا بغتة" فإنَّا لا نعني أن العطُفَ عليه وحده مقطوعاً عما بَعْدَه، بل العطفُ عليه مضموماً إليه ما بَعْدَه إلى آخره، وإِنما أردْنا بقولنا: "إِنَّ العطفَ عليه أن نُعْلِمكَ أنه الأصْلُ والقاعدة، وأن نَصْرفَك عن أن تَطْرَحَه، وتَجْعلَ العطْفَ على ما يلي هذا الذي تَعْطِفُه، فتزعم أنَّ قولَه:(فكان سيرُ عيسهم)، معطوفٌ على (فاجأني) فتَقعُ في الخطإ كالذي أرَيْناك. فأَمْرُ العطفِ إِذن موضوعٌ على أنك تَعْطِفُ تارةً جملةً على جملة وتَعْمِد، أخرى، إلى جملتين أو جملٍ فتعطفُ بعضاً على بعضٍ، ثم تعْطفُ مجموعَ هذي على مجموعِ تلكَ.