"ولقد رأيتُ أبا عمر والشيبانيَّ يكتبُ أشعاراً من أفواه جلسائه، ليُدخِلَها في باب التحفُّظ والتذكُّر، وربما خيِّل إليَّ أنَّ أبناء أولئك الشعراءِ لا يستطيعون أبداً أن يقولوا شعراً جيداً لمكان أعراقهم من أولئك الآباء:(ثم قال) ولولا أنْ أكونَ عيَّاباً ثُمَّ للعلماء خاصة، لصورتُ لك بعضَ ما سمعتُ من أبي عبيدة. ومَن هو أبعدُ في وهْمك من أبي عبيدة؟ "
واعلمْ أَنهم لم يَبْلغوا في إنكار هذا المذهبِ ما بلَغوه إلاَّ لأنَّ الخطأَ فيه عظيمٌ وأنه يُفْضي بصاحبه إلى أن يُنْكِر الإعجازَ ويُبْطِلَ التحدِّي من حيثُ لا يَشعر، وذلك أنه إنْ كان العملُ على ما يَذهبون إليه من أنْ لا يَجِبَ فضلٌ ومزيةٌ إلاَّ من جانب المعنى، وحتى يكونَ قد قال حكمةً أو أدباً، واستخرجَ معنًى غريباً أو شبيهاً نادراً، فقد وَجَب اطِّراحُ جميعِ ما قالَه الناسُ في الفصاحة والبلاغة، وفي شأنِ النظم والتأليف، وبَطَلَ أنْ يجِبَ بالنظم فضْلٌ وأن تَدْخُلَه المزيةُ وأن تتفاوتَ فيه المنازلُ. وإذا بطَلَ ذلك، فقد بطَل أن يكَون في الكلام مُعْجِزٌ وصار الأمرُ إلى ما يقولُه اليهودُ، ومَنْ قال بمثْلِ مقَالِهم في هذا الباب ودخلَ في مثل تلك الجَهالات، ونَعُوذ بالله من العَمَى بعْدَ الإبصار!