وأخلصُ إلى القول: إن أسلوب الجرجاني جدول ماء يتدفق في نغمية متنوعة وحركة متفاوتة السرعة بحسب الحالات والمراحل التي يقطعها والأوقات والفصول التي تصاحبه، فهو هادئ مبسَّط، كالشروح الصفِّية عندما يتعلق الأمر بالكشف والتوضيح والجري فوق هضاب فسيحة الأرجاء، وضيئة الجنبات. ومكثفٌ متداخل إلى حدود المعاظلة، عند التوقف أمام المسائل الجوهرية التي اختلف فيها مع عامة المتعاملين بالشأن اللغوي البلاغي، فصرف لأجلهم كل طاقاته وحنكته وبراعته في العرض والدفاع ودحض الحجج القوية الراسخة بفعل البلادة الذهنية وسيادة التقليد. ومثله النهر الصاخب المزبد الذي يرتطم بالصخور والنتوءات وهو يَنْصبُّ من علوِّ شاهق، فيصطفق موجه، وتبيضُّ مياهه، لتعودَ إلى صفاءٍ ورواء فوق السهوب والمنفسحات السَّفحية.
كقوله فيما يشبه العزْفَ على شبَّابة أو ربابٍ مختلجة الخفق:"إنَّا قد علمنا علْمَ ضرورةٍ أنَّا لو بَقينا الدهرَ الأطول، نصعِّدُ ونُصوِّبُ، ونبحثُ وننقّب، نبْتغي كلمةً قد اتصلتْ بصاحبةٍ لها، ولفظةٍ قد انتظمت مع أختها، من غير أن نتوخى فيما بينهما معنىً من معاني النحو، طَلبْنا مُمْتَنِعا، وثَنيننَا مَطايا الفكر ظُلَّعا".