للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما يُنظرُ إلى مثل ذلك قولُه تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ} [البقرة: ٩٦]. وإذا أنتَ راجعتَ نفسَك وأذكيتَ حسَّك، وجدتَ لهذا التنكير، وأنْ قيل "على حياةٍ" ولم يُقَلْ: (على الحياة)، حُسْناً وروعةً ولطفَ موقعٍ لا يُقَادَرُ قدرُه. وتَجِدُكَ تَعْدَمُ ذلكَ مع التعريف، وتخرجُ عن الأريحيةِ والأُنْس إلى خلافِهما. والسببُ في ذلك أنَّ المعنى على الازدِياد من الحياة، لا الحياةِ مِنْ أصْلها، وذلك لا يَحْرِصُ عليه إلا الحيُّ، فأمَّا العادِمُ للحياة، فلا يصحُّ منه الحرْصُ على الحياة ولا غيرها. وإذا كان كذلك، صار كأنه قيل: (ولتجدنَّهُمْ أحْرَصَ الناس ولو عاشوا ما عاشوا على أن يزدادوا إلى حياتهم في ماضي الوقت وراهِنِه، حياةً في الذي يَستقْبِل). فكما أنك لا تقول ههنا أن يزدادا إلى حياتهم الحياة (بالتعريف)، وإنما تقولُ حياةً، إذ كان التعريفُ يَصْلحُ حيثُ تُراد الحياةُ على الإطلاق كقولنا: (كلُّ أحد يُحب الحياة ويَكرهُ الموتَ)، كذلك الحكْمُ في الآية.

والذي ينبغي أن يراعى، أن المعنى الذي يُوصفُ الإنسانُ بالحرصِ عليه، إذا كان موجوداً حالَ وصفِك له بالحرص عليه، لم يُتصوَّر أن تجعله حريصاً عليه من أصله. كيف ولا يُحْرَصُ على الراهن ولا الماضي. وإنما يكون الحرصُ على ما لم يُوجَد بعدُ.

<<  <   >  >>