واعلمْ أنه ليس إذا لَمْ يُمكنْ معرفةُ الكلِّ وجَبَ تركُ النظر في الكلِّ؛ وأنْ تعرفَ العلَّةَ والسببَ فيما يُمْكِنك معرفةُ ذلك فيه، وإن قلَّ فتجعلَه شاهداً فيما لم تَعْرِفْ، أحْرَى مِن أنْ تَسُدَّ بابَ المعرفة، على نفسك، وتأْخذَها عن الفهم والتفهم، وتعوِّدَها الكسَل والْهُوَيْنا. قال الجاحظ: وكلامٌ كثير قد جَرى على ألسنة الناس وله مضرة شديدة وثمرةٌ مُرَّةٌ. فمِنْ أَضَرَّ ذلك قولُهم: لم يَدَع الأولُ للآخِرِ شَيئاً. (قال): فلو أنَّ علماءَ كلِّ عصرٍ مذ جرَتْ هذه الكلمةُ في أسمْاعهم، ترَكُوا الاستنباط لِمَا لَمْ يَنتهِ إليهم عَمَّن قَبْلَهم، لرأيتَ العِلم مختلاًّ. واعلمْ أنَّ العلمَ إنما هو معدِنٌ، فكما أنه لا يَمنعُكَ أن ترى ألفَ وِقْرِ قد أُخرجَتْ من معدن تبْرٍ أنْ تطلُبَ فيه وأن تأخُذَ ما تَجد، ولو كَقَدْرِ تُومةٍ، كذلك ينبغي أن يكون رأيْكَ في طلب العلم، ومن الله تعالى نَسألُ التوفيق!